وهذه الآيات تدلّ على جواز التقية لإنقاذ المؤمن من شرّ عدوّه الكافر.
الآية الرابعة :
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة / ١٩٦).
حيث مفادها ومعناها : أن الإنسان إذا دهمه خطر ولم يتق فقد أوقع نفسه في التهلكة المنهي عنها عقلا وشرعا.
وأما السنة المطهّرة :
فأخبار التقية فيها قد بلغت حدّ التواتر منها :
١ ـ ما ورد في موثقة أبي بصير قال :
قال أبو عبد الله عليهالسلام : التقية من دين الله ، قلت : من دين الله؟ قال عليهالسلام : أي والله من دين الله ولقد قال يوسف عليهالسلام : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) والله ما كانوا سرقوا شيئا ، ولقد قال إبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي سَقِيمٌ) والله ما كان سقيما (١).
دلّ الحديث على أنّ التقيّة من دينه تعالى الذي أمر عباده بالتمسّك به في كل ملّة لأنّ أكثر الخلق في كل عصر لمّا كانوا من أهل البدع ، شرّع الله التقية في الأقوال والأفعال والسكوت عن الحق لخلّص عباده عند الخوف حفظا لنفوسهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم وإبقاء لدينه الحق ، ولو لا التقية بطل دينه بالكلية وانقرض أهله لاستيلاء أهل الجور ، والتقية إنّما هي في الأعمال لا العقائد لأنها من الأسرار التي لا يعلمها إلّا علّام الغيوب. واستشهد الإمام عليهالسلام في هذا الحديث لجواز التقية بالآية الكريمة حيث قال : ولقد قال يوسف عليهالسلام حيث نسب الإمام الصادق عليهالسلام القول إلى يوسف مع أنّ القائل هو المؤذن بقوله تعالى : (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) باعتبار أنّ يوسف أمر به ، والفعل ينسب إلى الآمر كما ينسب إلى الفاعل. فنسب إليهم السرقة مع أنهم لم يسرقوا المتاع ، إلّا أنّ يوسف عليهالسلام استعمل التورية التي هي نوع من التقيّة بحيث كان يقصد من سرقتهم أنهم سرقوا يوسف من أبيه ، أو المراد تشبيههم بحال السرّاق بعد ظهور السّقاية عندهم.
__________________
(١) أصول الكافي : ج ٢ ص ٢١٧ ح ٣.