الإحرام ليس واجبا على المتحلل من الإحرام وإنما يحمل على الإباحة كما هو معلوم.
فالمكلّف بالخيار بين السب ومدّ الأعناق ويدلّنا على ذلك ما رواه عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما : ابريا عن أمير المؤمنينعليهالسلام ، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخلّي سبيل الذي برئ وقتل الآخر ، فقال : أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجّل إلى الجنّة (١).
والمراد من التبرّي بالحديث التبري منه باللسان دون القلب وإلّا لخرج المتبري قلبا من أمير المؤمنين عن شريعة الإسلام فالرواية دلّت على جواز كل من التبري اللفظي منه عليهالسلام تقية والتعرّض للقتل ، وإن كلّا من الرجلين من أهل الجنة وقد تعجّل أحدهما إلى الجنة وتأخّر الآخر.
ويشهد لما قلت :
أن يوسف بن عمران الميثمي قال :
سمعت ميثم النهرواني يقول : دعاني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وقال : كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني؟
قلت : يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك ، قال عليهالسلام : إذا والله يقتلك ويصلبك ، قلت : أصبر فذاك في الله قليل ، فقال : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي (٢).
أما العقل :
من خلال ما تقدم يعرف المرء أنّ التقية أمر سائغ عقلا لصيانة النفس أو العرض أو المال من الاندثار أو الهلكة في ظروف قاهرة لا يستطيع فيها المؤمن أن يعلن عن موقفه الحق صريحا خوفا من القوى الظالمة الغاشمة ، وأكبر شاهد على ذلك ما نراه من الحكومات الظالمة التي تمارس الظلم والتعسّف والقتل
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١١ ص ٤٧٦ ح ٤.
(٢) نفس المصدر : ح ٧.