والتنكيل ومصادرة الأموال والأعراض وسلب حقوق كل من يتجاهر بالحق والدعوة إليه فلا يكون لصاحب العقيدة الذي يرى نفسه محقا محيص عن إبطانها ، والتظاهر بما يوافق هوى الحاكم وتوجهاته حتى يسلم من الاضطهاد والتنكيل والقتل إلى أن يحدث الله أمرا.
إنّ التقية سلاح الضعيف في مقابل القوي الغاشم ، سلاح من يبتلى بمن لا يحترم دمه وعرضه وماله ، لا لشيء إلّا لأنه لا يتفق معه في بعض المبادي والأفكار.
يقول العلّامة جعفر السبحاني :
«إنما يمارس التقية من يعيش في بيئة صودرت فيها الحرية في القول والعمل ، والرأي والعقيدة فلا ينجو المخالف إلّا بالصمت والسكوت مرغما أو بالتظاهر بما يوافق هوى السلطة وأفكارها ، أو قد يلجأ إليها البعض كوسيلة لا بدّ منها من أجل إغاثة الملهوف المضطهد والمستضعف الذي لا حول له ولا قوّة ، فيتظاهر بالعمل إلى جانب الحكومة الظالمة وصولا إلى ذلك كما كان عليه مؤمن آل فرعون الذي حكاه سبحانه في الذكر الحكيم.
إنّ أكثر من يعيب التقية على مستعملها ، يتصوّر أو يصوّر أن الغاية منها هو تشكيل جماعات سرية هدفها الهدم والتخريب ، كما هو المعروف من الباطنيين والأحزاب الإلحادية السريّة ، وهو تصوّر خاطئ ذهب إليه أولئك جهلا أو عمدا دون أن يركّزوا في رأيهم هذا على دليل ما أو حجّة مقنعة ، فأين ما ذكرناه من هذا الذي يذكره ، ولو لم تلجئ الظروف القاهرة والأحكام المتعسفة هذه الجموع المستضعفة من المؤمنين لما كانوا عمدوا إلى التقية ، ولما تحمّلوا عبء إخفاء معتقداتهم ولدعوا الناس إليها علنا ودون تردد ، إلّا أن السيف والنطع سلاح لا تتردد كل الحكومات الفاسدة من التلويح بهما أمام من يخالفها من معتقداتها وعقائدها.
أين العمل الدفاعي من الأعمال البدائية التي يرتكبها أصحاب الجماعات السريّة للإطاحة بالسلطة وامتطاء ناصية الحكم ، فأعمالهم كلها تخطيطات مدبّرة لغايات ساقطة.
وهؤلاء هم الذين يحملون شعار «الغايات تبرّر الوسائل» فكل قبيح عقلي أو ممنوع شرعي يستباح عندهم لغاية الوصول إلى المقاصد المشئومة.