يقربه إلى الله تعالى زلفى. ويبعده عن المفاسد والأهواء والبدع الباطلة. وبالاختصار أنّ هذه الأدعية قد أودعت فيها خلاصة المعارف الدينية من الناحية الخلقيّة والتهذيبيّة للنفوس ، ومن ناحية العقيدة الإسلامية ، بل هي من أهم مصادر الآراء الفلسفيّة والمباحث العلميّة في الإلهيّات والأخلاقيّات.
ولو استطاع الناس ـ وما كلهم بمستطعين ـ أن يهتدوا بهذا الهدى الذي تثيره هذه الأدعية في مضامينها العالية ، لما كنت تجد من هذه المفاسد المثقلة بها الأرض أثرا ، ولحلّقت هذه النفوس المكبّلة بالشرور في سماء الحقّ حرة طليقة ولكن أنّى للبشر أن يصغى إلى كلمة المصلحين والدعاة إلى الحقّ ، وقد كشف عنهم قوله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
نعم إن ركيزة السوء في الإنسان اغتراره بنفسه وتجاهله لمساوئه ومغالطته لنفسه في أنّه يحسن صنعا فيما اتخذ من عمل : فيظلم ويتعدّى ويكذب ويراوغ ويطاوع شهواته ما شاء له هواه ، ومع ذلك يخادع نفسه أنّه لم يفعل إلّا ما ينبغي أن يفعل ، أو يغضّ بصره متعمّدا عن قبيح ما يصنع ويستصغر خطيئته في عينه. وهذه الأدعية المأثورة التي تستمدّ من منبع الوحي تجاهد أن تحمل الإنسان على الاختلاء بنفسه والتجرّد إلى الله تعالى ، لتلقنه الاعتراف بالخطإ وأنّه المذنب الذي يجب عليه الانقطاع إلى الله تعالى لطلب التوبة والمغفرة ، لتلمسه مواقع الغرور والاجترام في نفسه ، ومثل أن يقول الداعي من دعاء كميل بن زياد :
«إلهي ومولاي! أجريت عليّ حكما اتبعت فيه هوى نفسي ولم أحترس فيه من تزيين عدوّي ، فغرّني بما أهوى ، وأسعده على ذلك القضاء ، فتجاوزت بما جرى عليّ من ذلك بعض حدودك ، وخالفت بعض أوامرك».
ولا شكّ أنّ مثل هذا الاعتراف في الخلوة أسهل على الإنسان من الاعتراف علانيّة مع الناس ، وإن كان من أشقّ أحوال النفس أيضا. وان كان بينه وبين نفسه في خلواته ، ولو تمّ ذلك للإنسان فله شأن كبير في تخفيف غلواء نفسه الشريرة وترويضها على طلب الخير. ومن يريد تهذيب نفسه لا بدّ أن يصنع لها هذه الخلوة والتفكير فيها بحرّية لمحاسبتها ، وخير طريق