بالشفاعة ، وإلى هذا المعنى يلوّح قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) (البقرة / ٨١).
فهذه الآيات أيضا ترجع إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة ، والجميع تدل على أن مورد الشفاعة أعني المشفوع لهم يوم القيامة هم الدائنون بدين الحق من أصحاب الكبائر ، وهم الذين ارتضى الله دينهم» (١).
ثانيا : إن آيات الجزاء على السعي والعمل لا تلغي آيات الشفاعة ، لأن الاعتقاد بالله وبما أنزله على رسوله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يعتبر سعيا قام به المشفوع له ، ويعدّ من آثاره وتوابعه إذ لو لا جده واجتهاده في الإيمان بالله سبحانه وبما جاء به رسوله لما نالته شفاعة الأولياء ، فالسعى الّذي قام به طيلة حياته على وجه حفظ به علاقاته القلبية ـ على أقل تقدير ـ مع الله سبحانه ومع أوليائه ، هو المصحح للشفاعة والغفران بدعاء الشفيع ، والله سبحانه لا يضيع سعى المؤمنين من ذكر وأنثى بل يثيب عليه بالدخول للجنة من دون حساب أو بالمغفرة له بشفاعة الأنبياء والأولياء. فكما أنه عزوجل يثيب على الايمان المجرد من دون عمل ، كذا يثيب على العمل ، قال تعالى :
(وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (البقرة / ١٤٤).
(يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران / ١٧٣).
(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف / ٩١).
ملخص مما ذكرنا : انه لا مانع من القول بجواز العفو في حق العصاة بواسطة الشفاعة كما لا مانع من شمول آيات الشفاعة لهم. وبذا نكون قد انتهينا من إيراد الشبهات حول الشفاعة والإجابة عليها بنحو الإجمال وهي كافية بتأدية المراد بحمد الله لمن القى السمع وهو شهيد.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ج ١ / ١٧١.