مثلا يبتدئ نفس الحريص من التعلق ببدن الخنزير ثم إلى ما دونه في ذلك ، حتى ينتهي إلى النمل ثم يتصل بعالم العقول عند زوال تلك الهيئة بالكلية ... ثم إن من المنتمين من التناسخية إلى دين الإسلام يروّجون هذا الرأي بالعبارات المهذّبة ، والاستعارات المستعذبة ، ويصرفون به إليه بعض الآيات الواردة في أصحاب العقوبات اجتراء على الله وافتراء على ما هو دأب الملاحدة والزنادقة ...) (١).
وقال العلّامة النوبختي :
(إن أهل التناسخ قالوا بالدور في هذه الدار ، وإبطال القيامة والبعث والحساب ، وزعموا أن لا دار إلا الدنيا ، وأن القيامة إنما هي خروج الروح من البدن ودخوله في بدن آخر غيره ، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، وأنهم مسرورون في هذه الأبدان أو معذّبون فيها ، والأبدان هي الجنات وهي النار وأنهم منقولون في الأجسام الحسنة الإنسية المنعّمة في حياتهم ، ومعذّبون في الأجسام الردية المشوّهة من كلاب وقردة وخنازير وحيّات وعقارب وخنافس وجعلان محوّلون من بدن إلى بدن ، معذّبون فيها هكذا أبد الأبد فهي جنتهم ونارهم لا قيامة ولا بعث ولا جنة ولا نار غير هذا على قدر أعمالهم وذنوبهم وإنكارهم لأئمتهم ومعصيتهم لهم فإنما تسقط الأبدان وتخريب إذ هي مساكنهم فتتلاشى الأبدان وتفنى وترجع الروح في قالب آخر منعّم أو معذّب ، وهذا معنى الرجعة عندهم ، وإنما الأبدان قوالب ومساكن بمنزلة الثياب التي يلبسها الناس فتبلى وتطرح وتلبس غيرها ... والعقاب على الأرواح دون الأجساد ، وتأولوا آيات عدة) (٢) والتناسخ بأقسامه المطلقة الثلاثة باطل جملة وتفصيلا كما سوف ترى ، لكن تبقى أمور حسبها التناسخيون أدلة قاطعة لمذهبهم ، لكنها جميعا بمعزل عن مذهب التناسخ رأسا ، منها قياسهم المسخ (المصطلح عليه عند المسلمين) على التقمص أو التناسخ ، واستدلوا عليه بما ورد في القرآن الكريم أن الله سبحانه مسخ جماعة من البشر إلى قردة وخنازير (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (البقرة / ٦٦) ، (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٥٨ / ١١٦ نقلا عن شارح المقاصد.
(٢) فرق الشيعة ط النجف ص ٣٦. والنوبختي (قدّس سره) من أعلام القرن الثالث الهجري.