السعداء ، وأما الأشقياء فتنتكس نفوسهم في مظاهر الظلمانيات لتخلد إلى الأرض مع الأبد(١).
فالنسخ يصطلح عليه بالتناسخ المطلق ، والمسخ والفسخ بالتناسخ المحدود ، والرسخ بالتناسخ الصعودي وهو ما يحصل فيه انتقال النفس في جهة الصعود من النبات إلى الحيوان إلى الإنسان.
فيتلخص من هذا أن النفس لا تزال تنتقل ضمن أجسادها هابطة أو صاعدة.
وبالجملة : يترتب على القول بالتناسخ محذوران :
الأول : الاستخفاف بقدرة الله سبحانه حيث إن الاعتقاد بانتقال الروح من بدن إلى بدن آخر دليل عجز الإله ـ بحسب نظرية التناسخ ـ على أن يخلق لكل بدن روحا خاصة به.
الثاني : إنكار المعاد الجسماني وهو عودة الأرواح إلى أجسادها الأصلية يوم القيامة. هذا مع أن المسلمين مجمعون على صحة المعاد الجسماني لصريح الآيات والأخبار بذلك ، واطباقهم قولا واحدا على أن الأرواح حادثة وليست بقديمة كما يعتقد التناسخيون ؛ وقد اعتبرت الشريعة الإسلامية المنكر للمعاد الجسماني كافرا لاستصغاره قدرة الله تعالى على الإيجاد والإعادة.
قال شارح المقاصد :
(القول بالتناسخ في الجملة محكي عن كثير من الفلاسفة إلا أنه حكاية لا تعضدها شبهة فضلا عن حجة ، ومع ذلك فالنصوص القاطعة من الكتاب والسنة ناطقة بخلافها ، وذلك أنهم ينكرون المعاد الجسماني ، أعني حشر الأجساد وكون الجنة والنار داري ثواب وعقاب ، ولذّات وآلام حسيّة ، ويجعلون المعاد عبارة عن مفارقة النفوس الأبدان ، والجنة عن ابتهاجها بكمالاتها والنار عن تعلّقها بأبدان حيوانات أخر يناسبها فيما اكتسبت من الأخلاق وتمكنت فيها من الهيئات ، معذّبة بما يلقى فيها من الذل والهوان ، مثلا تتعلق نفس الحريص بالخنزير ، والسارق بالفأر والمعجب بالطاووس ، والشرير بالكلب ، ويكون لها تدريج في ذلك بحسب الأنواع والأشخاص ، أي ينزل من بدن إلى بدن هو أدنى في تلك الهيئة المناسبة ،
__________________
(١) الأسفار الأربعة ج ٩ / ٤ م ٥ ط إحياء التراث العربي. والبحار ج ٥٨ / ١١٧ ط مؤسسة الوفاء.