الوجه الأول :
إن النفس لو لم تتعلق بجسد آخر بعد مفارقتها للأول لبقيت معطّلة بلا عمل ، لأن البدن بمنزلة الآلات والأدوات للنفس ، وبدونه لا نستطيع القيام بأي عمل. ولا تعطيل في الوجود.
والجواب :
أولا : إن لزوم التعطيل إنما يكون إذا كان العمل مطلقا متوقفا على التجسد العنصري ، ولكن هذا لم يثبت بدليل قطعي ، فالنفس تمر في مرحلة محدودة تكون بحاجة إلى البدن في مكاسب خاصة لا تحصل إلا بذلك ، أما بعدها فهي غنية بذاتها مستغنية في فعالياتها لا تزال تعمل في ترقيها وهي في عالم الأرواح.
ثانيا : على فرض أنه لا بدّ للنفس من تدبير عمل ، فليس من الضروري أن يكون عملها بعد مفارقة البدن تماما كعملها حين اتصالها به ، فربما كان عملها من نوع آخر كإشراق وابتهاج أو ما شابه ذلك مما لا يستدعي وجود البدن.
الوجه الثاني :
أنها مجبولة على الاستكمال ، ولا استكمال إلّا بالتعلق الجسماني ، ولذلك فإن تعلقات النفس الجسمانية تتكرر حتى تبلغ الكمال النهائي.
والجواب :
أولا : دعوى أن الروح تتوقف مكاسبها على التجسد العنصري بحاجة إلى دليل وهو مفقود في البين ، هذا مضافا إلى وجود التهافت الظاهر بين الدليلين في مثبتهما حيث الأول يفيد أبدية التعلقات الجسدية ، وأما الثاني فيوقفها عند حد الاستكمال.
ثانيا : إن استئناف التجسد لفرض الاستكمال يقتضي تذكرا لما سبق من نتائج التجسدات الماضية لتكون الحياة الجديدة امتدادا الحياة القديمة ، وما دام الإنسان لم يتذكر شيئا من تجسداته الماضية ، فما هي الفائدة من وراء هذا الاستئناف والتجسد المتكرر؟!
الوجه الثالث :
أنها قديمة ، فتكون متناهية العدد ، لامتناع وجود ما لا يتناهى بالفعل بخلاف ما لا يتناهى من الحوادث كالحركات والأوضاع وما يستند إليها ، فإنها إنما تكون