بكر وأيام عمر وعثمان وصدرا من أيامه حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الأمة ، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا.
وإن كان تأخره هدى وصوابا وتركه خطأ وضلالا فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال لا سيما والإجماع واقع على أنه لم يظهر منه ضلال في أيام الثلاثة الذين تقدّموا عليه ، ومحال أن يكون التأخر خطأ وتركه خطأ للإجماع على بطلان ذلك أيضا ، ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال.
وليس يصحّ أن يكون صوابا وتركه صوابا لأنّ الحق لا يكون في جهتين مختلفتين ولا على وصفين متضادّين ، ولأن القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعون على أنه لم يكن إشكال في جواز الاختيار وصحة إمامة أبي بكر.
وإنما الناس بين قائلين قائل من الشيعة يقول : إنّ إمامة أبي بكر كانت فاسدة لا يصحّ القول بها أبدا. وقائل من الناصبة يقول : إنها كانت صحيحة ولم يكن على أحد ريب في صوابها إذ جهة استحقاق الإمامة هو ظاهر العدالة والنسب والعلم والقدرة على القيام بالأمور ولم تكن هذه الأمور تلتبس على أحد في أبي بكر عندهم. وعلى ما يذهبون إليه فلا يصحّ مع ذلك أن يكون المتأخر عن بيعته مصيبا أبدا لأنه لا يكون متأخرا لفقد الدليل بل لا يكون متأخرا لشبهة وإنّما يتأخر إذا ثبت أنه تأخر للعناد.
فثبت بما بيّناه أن أمير المؤمنين عليهالسلام لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه وقدمناه وقد كانت الناصبة غافلة عن هذا الاستخراج في موافقتها على أن أمير المؤمنين عليهالسلام تأخر عن البيعة وقتا ما ، ولو فطنت له لسبقت بالخلاف فيه عن الإجماع وما أبعد أنهم سير تكبون بعد ذلك إذا وقفوا على هذا الكلام غير أن الإجماع السابق لمرتكب ذلك يحجّه ويسقط قوله فيهون قصته ولا يحتاج معه إلى الإكثار (١).
وبما تقدم يبطل ما ادعاه الشيخ حسين شحادة في مقالة له ملحقة بكتاب نظام الحكم والإرادة في الإسلام ، وكذا الشيخ أبو السعود القطيفي في كتاب جاء الحق ص ٣٣ ، حيث قالا : أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام بايع أبا بكر
__________________
(١) الفصول المختارة من (العيون والمحاسن للشيخ المفيد ـ قدسسره ـ) : ص ٥٦ ط. دار المفيد.