يكون النبي في الصفات أكمل وأفضل من المبعوثين إليهم حتى يتمكن له أن يهديهم ويستكملهم وينقاد الناس له للتعلّم والاستكمال فإن كان النبي مبعوثا إلى قوم معينين فاللازم أن يكون أفضل منهم في ذلك الزمان ، وإن كان مبعوثا إلى جميع الناس إلى يوم القيامة فاللازم أيضا أن يكون أفضل من جميعهم ، إذ لو لا ذلك لما تيسر الهداية والاستكمال بالنسبة إلى جميعهم مع أنهم مستعدون لذلك ، وهو لا يساعد عنايته الأولى وإطلاق رحيميته ونقض لغرضه وهو لا يصدر منه تعالى.
فإذا ثبت ذلك في النبي لزم أن يكون الإمام أيضا أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة وكرم وعفة وصدق وعدل وغير ذلك لأنه قائم مقامه ونائب عنه في جميع الأمور والشئون إلّا في تلقي الوحي ، وهذه النيابة لا تتم إلّا بالاتصاف المذكور ، وإليه أشار المحقق اللاهيجي حيث قال :
«لا بد أن يكون الإمام في غاية التفرّد في استجماع أنواع الكمالات والفضائل حتى يطيع وينقاد له جميع الطبقات من الشرفاء والعلماء بحيث ليس لأحد منهم عار في الاتباع له والانقياد إليه» (١).
إذن لا بدّ أن يكون الإمام أفضل الرعية وإلّا قبح تقديمه على غيره مع وجود من هو أفضل منه.
قال العلّامة في كشف المراد :
إن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته لأنه إما أن يكون مساويا لهم أو أنقص منهم أو أفضل ، والثالث هو المطلوب والأول محال لأنه مع التساوي يستحيل ترجيحه على غيره بالإمامة والثاني أيضا محال لأن المفضول يقبح عقلا تقديمه على الفاضل.
ويدلّ عليه قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس / ٣٦) ، وقد خالفنا في ذلك الأشاعرة وبعض المعتزلة كابن أبي الحديد حيث أجازوا تقديم المفضول على الفاضل مخالفين صريح العقل ودليل النقل كما أوضحنا ، ويشهد لهذا ما روي عن مولانا الإمام
__________________
(١) بداية المعارف : ج ٢ ص ٥١ نقلا عن سرمايه ايمان : ١١٥ فارسي.