به البلخيّ. وهذا إلى أن يكون عذرا لهم أقرب منه إلى أن يكون حجّة عليم ؛ وأيسر الأحوال ألّا يكون عذرا ولا احتجاجا ، فلا يكون لتقديمه معنى.
وفي الجواب الأول حسن تقديم ذلك على طريق الذّم والتوبيخ والتقريع من غير إضافة إليه عزوجل ؛ والجواب الأول أوضح وأصحّ.
وثالثها : جواب روي عن الحسن ، قال : يعني بقوله : (مِنْ عَجَلٍ) ، أي من ضعف ، وهي النّطفة المهينة الضّعيفة ، وهذا قريب إن كان في اللغة شاهد على أن العجل عبارة عن الضّعف أو معناه.
ورابعها : ما حكي أنّ أبا الحسن الأخفش أجاب به ، وهو : أن يكون المراد أنّ الإنسان خلق من تعجيل من الأمر ؛ لأنّه تعالى قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
فإن قيل : كيف يطابق هذا الجواب قوله من بعد : (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ)؟
قلنا : يمكن أن يكون وجه المطابقة أنّهم لمّا استعجلوا بالآيات واستبطؤوها أعلمهم تعالى أنّه ممّن لا يعجزه شيء إذا أراده ، ولا يمتنع عليه ؛ وأنّ من خلق الإنسان بلا كلفة ولا مؤونة بأن قال له : كن فكان ، مع ما فيه من بدائع الصنعة ، وعجائب الحكمة التي يعجز عنها كلّ قادر ، ويحار فيها كلّ ناظر ، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات.
وخامسها : ما أجاب به بعضهم من أنّ العجل الطين ، فكأنّه تعالى قال : خلق الإنسان من طين ، كما قال تعالى في موضع آخر : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٢) ، واستشهد بقول الشاعر :
والنّبع ينبت بين الصّخر ضاحية |
|
والنخل ينبت بين الماء والعجل (٣) |
ووجدنا قوما يطعنون في هذا الجواب ، ويقولون : ليس بمعروف أنّ العجل هو الطين ، وقد حكي صاحب كتاب «العين» عن بعضهم أنّ العجل الحمأة ، ولم
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ٤٠.
(٢) سورة السجدة ، الآية : ٧.
(٣) البيت في اللسان (عجل).