يستشهد عليه ، إلّا أنّ البيت الذي أوردناه يمكن أن يكون شاهدا له ، وقد رواه ثعلب عن ابن الأعرابيّ ، وخالف في شيء من ألفاظه فرواه :
والنّبع في الصّخرة الصّماء منبته |
|
والنّخل ينبت بين الماء والعجل |
وإذا صحّ هذا الجواب فوجه المطابقة بين ذلك وبين قوله تعالى : (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) على نحو ما ذكرناه ، وهو أنّ من خلق الإنسان ـ مع الحكمة الظاهرة فيه ـ من الطين ، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات ؛ أو يكون المعنى أنّه لا يجب لمن خلق من الطين المهين ، وكان أصله هذا الأصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل الله وآياته وشرائعه ؛ لأنّه تعالى قال قبل هذه الآية : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) (١).
وسادسها : أن يكون المراد بالإنسان آدم عليهالسلام ، ومعنى «من عجل» أي من سرعة من خلقه ، لأنّه لم يخلقه من نطفة ، ثمّ من علقة ، ثمّ من مضغة كما خلق غيره ، وإنّما ابتدأه الله تعالى ابتداء ، وأنشأه إنشاء ، فكأنّه تعالى نبّه بذلك على الآية العجيبة في خلقه له ، وأنه عزوجل يرى عباده من آياته وبيناته أوّلا أولا ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه أحوالهم.
وسابعها : ما روي عن مجاهد وغيره أنّ الله تعالى خلق آدم بعد خلق كلّ شيء آخر ، نهار يوم الجمعة على سرعة ، معاجلا به غروب الشمس.
وروي أنّ آدم عليهالسلام لما نفخت فيه الروح وبلغت إلى أعالي جسده ، ولم تبلغ أسافله قال : يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.
وثامنها : ما روي عن ابن عباس والسّدّي أنّ آدم عليهالسلام لمّا خلق وجعلت الروح في أكثر جسده وثب عجلان مبادرا إلى أثمار الجنّة ـ وقال قوم بل همّ بالوثوب ـ فهذا معنى قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ).
وهذه الأجوبة المتأخّرة مبنيّة على أنّ المراد بالإنسان فيها آدم عليهالسلام دون غيره (٢).
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٦.
(٢) الأمالي ، ١ : ١٤٤.