لأنّه يقع بوسوسته وغروره ، ثمّ بيّن أنّ الله تعالى يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجّته وينسخه ويحسم مادّة الشبهة به. وإنّما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا كذب المشركون عليه ، وأضافوا إلى تلاوته مدح آلهتهم ما لم يكن فيها.
وإن كان المراد تمنّي القلب ، فالوجه في الآية أنّ الشيطان متى تمنّى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقلبه بعض ما يتمّناه من الأمور ، يوسوس إليه بالباطل ويحدّثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه إليها ، وأنّ الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك إسماع غروره.
وأمّا الأحاديث المروية في هذا الباب فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل عليهمالسلام عنه. هذا لو لم يكن في أنفسها مطعونة مضعفّه عند أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره. وكيف يجيز ذلك على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من يسمع الله تعالى يقول : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) (١) يعني القرآن. وقوله تعالى :(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)) (٢). وقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٣)؟ على أنّ من يجيز السهو على الأنبياء عليهمالسلام يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأنّ الله تعالى قد جنّب نبيه من الأمور الخارجة عن باب المعاصي ، كالغلظة والفظاظة وقول الشعر وغير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالى ، على أنّه لا يخلو صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وحوشي ممّا قذف به ـ من أن يكون تعمّد ما حكوه وفعله قاصدا أو فعله ساهيا ، ولا حاجة بنا إلى إبطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره ، وإن كان فعله ساهيا فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها ثمّ لمعنى ما تقدّمها من الكلام ؛ لأنّا نعلم ضرورة أن من كان ساهيا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتّى يتفق منه بيت شعر
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٢٢.
(٢) سورة الحاقّة ، الآيات : ٤٤ ـ ٤٧.
(٣) سورة الأعلى ، الآية : ٦.