في وزنها وفي معنى البيت الّذي تقدّمه وعلى الوجه الّذي يقتضيه فائدته ، وهو مع ذلك يظنّ أنّه من القصيدة الّتي ينشدها. وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على أنّ الموحى إليه منس الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل عليهالسلام ، وكيف يجوز السهو عليه؟ على أنّ بعض أهل العلم قد قال : يمكن أن يكون وجه التباس الأمر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا تلا هذه السورة في ناد غاص بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين ، فانتهى إلى قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (١) وعلم في قرب مكانه منه من قريش أنّه سيورد بعدها ما يسوأهم به فيهنّ ، قال كالمعارض له والرّادّ عليه : «تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى» فظنّ كثير ممّن حضر أنّ ذلك من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واشتبه عليهم الأمر ؛ لأنّهم كانوا يلغون عند قراءته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويكثر كلامهم وضجاجهم طلبا لتغليطه وإخفاء قراءته.
ويمكن أن يكون هذا أيضا في الصلاة ؛ لأنّهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ، ويسمعون قراءته ويلغون فيها.
وقيل أيضا : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا تلا القرآن على قريش توقّف في فصول الآيات وأتى بكلام على سبيل الحجاج لهم ، فلمّا تلا (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠)) قال : «تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى» على سبيل الانكار عليهم ، وأنّ الأمر بخلاف ما ظنّوه من ذلك.
وليس يمتنع ان يكون هذا في الصلاة ؛ لأنّ الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا ، وإنّما نسخ من بعد.
وقيل : إنّ المراد بالغرانيق الملائكة ، وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوّهم المشركون أنّه يريد آلهتهم.
وقيل : إنّ ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة فتلاه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فلمّا ظنّ المشركون أنّ المراد به آلهتهم نسخت تلاوته.
وكلّ هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله : (إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي
__________________
(١) سورة النجم ، الآية : ١٩.