قلنا : هذا أولا خبر واحد غاية حاله ـ إذا سلم من كلّ قدح ـ أن يوجب الظنّ ، وأخبار الآحاد لا يخصّ بها ظواهر الكتاب الموجبة للعلم ، وإذا سلّمناه فليس فيه أكثر من خلّو الخبر من ذكر الجلد ، وذلك لا يسقط وجوبه ، ألا ترى أنّهم كلّهم يدفعون استدلال من استدلّ على أنّ الشهادة في النكاح ليست بواجبة بأن يقول : إنّ الله تعالى ذكر النكاح في مواضع من الكتاب ، ولم يذكر الشهادة في آيات النكاح ، ولا شرطها بأن يقولوا عدم ذكر الشهادة في آيات النكاح لا يدلّ على أنّها ليست بواجبة ، وما سبيل المحتجّ بذلك إلّا كسبيل من قال : إنّ الوضوء ليس بواجب ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها (١) ، ولم يذكر الوضوء ولم يشرطه هاهنا ، ولم يدلّ نفي إشتراطه على نفي وجوبه.
فإن احتجّ المخالف بما رواه قتادة ، عن سمرة عن الحسن بن محمد أنّ جابرا قال : كنت فيمن رجم ماعزا ولم يجلده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) فالجواب عن ذلك : أنّ هذا أيضا خبر واحد لا يخصّص به ظواهر الكتاب الموجبة للعلم ، وقد طعن في هذا الخبر ؛ لأنّ قتادة دلسه ، وقال عن سمرة ولم يقل : حدثني ، وبعد فإنّ هذه شهادة بنفي ولا يتعلّق إلّا بعلمه ، كأنّه قال : لم أعلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جلده ، وفقد علمه بذلك لا يدلّ على أنّه لم يكن ، وغير ممتنع أن يجلده من حيث لا يعلم ، فظاهر الخبر أنّ جابر عني بقوله : كنت فيمن رجم ماعزا ، ولم يجلده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما أراد لم يجلده في المجلس الذي رجم فيه ؛ لأنّه قال : «كنت فيمن رجم ولم يجلده النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم» ولو كان قصده إلى نفي الجلد على كلّ حال لم يكن في قوله : «كنت فيمن رجم» معنى ؛ ألا ترى أنّ رجلا لو قال : ما أكل عمرو الطعام وهو يريد منذ ثلاثة أيّام لم يجز أن يقوي قوله : فانّي كنت معه طول البارحة فلم يطعم ، وإنّما يحسن هذا القول منه إذا كان يريد نفي أكله مدّة ملازمته له.
__________________
(١) سنن ابن ماجة ، ١ : ٢٢٨ ح ٦٩٨.
(٢) المغني (لابن قدامة) ، ١٠ : ١٢٥.