في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال : كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك ، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان ، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق ، فأظهر واصل القول بأنّهم فسّاق غير مؤمنين ، ولا كفّار ، ولا منافقين.
وكان عمرو بن عبيد من أصحاب الحسن وتلاميذه ، فجمع بينه وبين واصل ليناظره فيما أظهر من القول بالمنزلة بين المنزلتين ، فلمّا اتفقوا على الاجتماع ذكر أنّ واصلا أقبل ومعه جماعة من أصحابه إلى حلقة الحسن ، وفيها عمرو بن عبيد جالس ، فلمّا نظر إلى واصل ، وكان في عنقه طول واعوجاج قال : أرى عنقا لا يفلح صاحبها! فسمع ذلك واصل فلمّا سلّم عليه قال له : يابن أخي ، إنّ من عاب الصنعة عاب الصانع ، للتعلّق الذي بين الصانع والمصنوع ؛ فقال له عمرو بن عبيد : يا أبا حذيفة ، قد وعظت فأحسنت ، ولن أعود إلى مثل الذي كان مني.
وجلس واصل في الحلقة ، وسئل أن يكلّم عمرا فقال واصل لعمرو : لم قلت : إنّ من أتى كبيرة من أهل الصلاة استحقّ اسم النفاق؟ فقال عمرو : لقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١) ، ثمّ قال في موضع آخر : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢) ، فكان كلّ فاسق منافقا ؛ إذ كانت ألف المعرفة ولام المعرفة موجودتين في الفاسق ؛ فقال له واصل : أليس قد وجدت الله تعالى يقول : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٣) ، وأجمع أهل العلم على أنّ صاحب الكبيرة استحقّ اسم ظالم ، كما استحقّ اسم فاسق ؛ فألّا كفّرت صاحب الكبيرة من أهل الصلاة بقول الله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٤) ، فعرّف بألف ولام التعريف اللتين في قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) كما قال في القاذف : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، فسميّته منافقا لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ)! فأمسك عمرو ، ثمّ قال له واصل : يا
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٦٧.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٤٥.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٤.