فأوّلها ذيل هذه الآية ؛ قالوا : لأنّ قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) ، والتحذير يقتضي وجوب الامتثال.
وثانيها قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) (١).
وثالثها قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٢).
ورابعها قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (٣).
وخامسها قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (٤).
ويقال لهم في أوّل ما تعلّقوا به من القرآن : أوّل ما نقوله : أنّه لو ثبت في القرآن أو السنّة ما يدلّ على وجوب المأمور به ، لم يكن ذلك نافعا لمخالفنا ، ولا ضارّا لنا ؛ لأنّنا لا ننكر على الجملة أن يدلّ دليل على وجوب الأمر ، وإنّما ننكر أن يكون ذلك يجب بوضع اللّغة. وإنّما نتكلّم فيما استدلّوا به من قرآن أو سنّة على وجوب الأمر ، لا لأنّه إن صحّ قدح فيما أصّلناه ، وإنّما نتكلّم فيه لأنّه لا يدلّ على المقصود. وهذه جملة يجب أن تكون محصّلة مراعاة.
ثمّ نقول : اقتران الوعيد بهذا الأمر هو الدلالة على وجوبه ، فمن أين لكم أنّ الأمر المطلق يدلّ على الوجوب.
ثمّ إنّ المراد ظاهر ، وهو أنّه أراد الخلاف على الرسول عليهالسلام على سبيل جحد النبوّة ، بدلالة أوّل الآية بقوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ) ، وهذا إنكار على من لم يلتزم الانقياد له لأجل النبوّة ، ولا محالة إنّ خلافه على هذا الوجه كفر.
وبعد ، فإنّ مخالفة الأمر هو ضدّ الموافقة ، وفعل ما ندب إليه على وجه الوجوب مخالفة له ، كما أنّ فعل ما أوجبه مقصودا به إلى الندب مخالفة أيضا ،
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٦٥.
(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٦.
(٣) سورة النساء ، الآية : ٥٩.
(٤) سورة الجن ، الآية : ٢٣.