والآية تضمّنت التحذير من المخالفة فمن أين لهم وجوب ما أمر به ، حتّى يكون من فعله على غير هذا الوجه مخالفا. فعلم أنّ ظاهر الآية مشترك بيننا وبينهم ، وأنّه لا حجّة فيها لهم (١).
ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : ليس المراد بالقضاء هيهنا الأمر المطلق ، بل الإلزام ، كما نقول : قضى القاضي بكذا وكذا ، بمعنى حكم وألزم ، ولهذا لا تسمّى الفتوى قضاء.
والكلام فيما تعلّقوا به ثالثا ، كالكلام في هذه الآية ، فلا معنى لإعادته.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا ، من قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) إنّ هذا أمر ، والخلاف فيه نفسه ، فكيف يستدلّ به على نفسه. والطاعة هي امتثال الأمر ، وقد بيّنّا أنّ الطاعة تدخل في الندب والإيجاب جميعا ، فكيف يعقل من الظاهر أحدهما.
وأيضا ؛ فإنّ الطاعة هي امتثال الأمر على الوجه الّذي تعلّق به الأمر إمّا بإيجاب أو ندب ، حسبما مضى من الكلام في المخالفة ، فمن أين لهم أن أمره على الوجوب ، حتّى يكون من فعله على هذا الوجه مطيعا له ، وإلّا كان على الندب ، وطاعته إنّما هي فعله على هذا الوجه.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : إنّا قد بيّنّا أن المعصية قد تدخل في الندب كما تدخل في الواجب ، وأنّه قد يكون عاصيا لمخالفة الأمر على وجه لا يستحقّ به الوعيد ، فيجب أن تحمل الآية لأجل الوعيد على مخالفة الأمر الواجب (٢).
__________________
(١) راجع أيضا الذريعة ، ٢ : ٥٨٣.
(٢) الذريعة ، ١ : ٦٦.