وهذا يدلّ على أنّه ذو عقل يوجب التكليف له ، ولو لا ذلك ما حسن هذا الوعيد العظيم على هذا الشرط والترتيب.
ويدلّ على ذلك أيضا أنّ سليمان عليهالسلام أهلّه لحمل كتابه والإعادة عليه بما يراه من القوم وما يقولون بقوله : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (١) ولو أمن أحدنا من يقصر عقله عن عقل المكلّفين على مثل هذا المهم العظيم لكان سفيها.
وقوله من قبل : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) إلى قوله : (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وما في هذا القصص من جودة اعتباره وحسن تدبيره ، كقوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) الآية.
فهل يسوغ الانصراف عن هذه الظواهر الغريبة بغير دلالة عقلية تحيل أن يعطي الله سبحانه العقل حيوانا مثله ، وما أولاه «كبت الله أعداءه» يذكر ما عنده في ذلك إن شاء الله.
الجواب :
إنّا قد كنّا ذكرنا في جواب المسائل الاولى الواردة في معنى ما حكي عن النملة والهدهد ما قد عرف ووقف عليه. ونحن نجيب الآن عمّا في هذا السؤال المستأنف ، ونزيل هذه الشبهة المعترضة ، وأوّل ما نقوله :
إنّ في الناس من ذهب إلى أنّه لا يجوز أن يكون الهدهد وما أشبهه من البهائم كامل العقل ، وهو على ما هو عليه من الهيئة والبنية ، وعدّ ذلك في جملة المستحيل وهذا ليس بصحيح [و] لا دلالة عقلية تدلّ على ذلك.
ومن أين لنا أن بنية قلب الهدهد وما جرى مجراه لا تحتمل العلوم التي هي كمال العقل ، وإذا كان العقل من قبل (٣) العلوم والاعتقادات ، وقلب البهيمة يحتمل الاعتقادات لا محالة ، بل كثيرا من العلوم وإن لم يكن تلك العلوم عقلا.
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ٢٨.
(٢) سورة النمل ، الآية : ٢٥.
(٣) كذا والظاهر «قبيل».