فأيّ فرق بين العلم الذي هو عقل ، وبين العلم الذي ليس بعقل في احتمال القلب له؟ وما احتمل الجنس الذي هو الاعتقاد ، لا بدّ أن يكون محتملا للنوع الذي هو العلوم.
فإن قيل لنا : على هذا فإذا جوّزتم أن يكون البهائم ـ وهي على ما هي عليه ـ في قلوبها علوم هي كمال العقل ، والتكليف تابع لكمال العقل ، فألّا جوزتم أن تكون مكلّفة وهي على ما هي عليه ، كما جوّزتم أن تكون عاقلة.
قلت : الصحيح أن نقول : إنّ ذلك جائز لو لا الدلالة على خلافه ، والمعوّل في ذلك على إجماع المسلمين على أنّ البهائم ليست بكاملة العقول ولا مكلّفة وهذا أيضا معلوم من دين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولهذا روي عنه عليهالسلام أنّه قال : «جرح العجماء جبار» (١). وإنّما أراد أنّ جنايات البهائم لا شيء فيها.
ولا اعتبار بقول طائفة من أهل التناسخ بخلاف ذلك ؛ لأنّ أصحاب التناسخ لا يعدّون من المسلمين ، ولا ممّن يدخل قوله في جملة الإجماع ، لكفرهم وضلالهم وشذوذهم من البين.
وإنّما قلنا : إنّ الهدهد الذي خاطبه سليمان عليهالسلام وأرسله بالكتاب لم يكن عاقلا ؛ لأنّ اسم الهدهد في لغة العرب وعرف أهلها اسم لبهيمة ليست بعاقلة ، كما أنّه اسم لما كان على صورة مخصوصة وهيئة معينة.
فلو كان ذلك الهدهد عاقلا لما سمّاه الله تعالى ، وهو يخاطبنا باللغة العربية هدهدا ، لأنّ هذا الاسم وضع لما ليس بعاقل ، وإجراؤه على من هو عاقل خروج عن اللغة ، فأحوجنا اتّباع هذا الظاهر إلى أن نتأوّل ما حكى عن هذا الهدهد من المحاورة ، ونبيّن كيفية انتسابه إلى ما ليس بعاقل.
وقد قلنا في ذلك وجهين ذكرناهما في جواب المسائل الاولى :
أوّلهما : أن ليس يكون ما وقع منه قول ، ولا نطق بهذا الخطاب المذكور ،
__________________
(١) نهاية ابن الأثير ، ٣ : ١٨٧.