وإنّما كان منه ما يدلّ على معنى هذا الخطاب ، أضيف الخطاب إليه مجازا ، وهو على مذهب العرب معروف ، قد امتلأت به أشعارها وكلامها ، فمنه قول الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قطني |
|
مهلا رويدا قد ملأت بطني |
ونحن نعلم أنّ الحوض لا يقول شيئا ، وأنّه لمّا امتلأ ولم يبق فيه فضل لزيادة ، صار كأنه قائل : حسبي فلم يبق فيّ فضل لشيء من الماء.
وقد تحاوروا هذا في قول الشاعر :
وأحصت لذي بال حين رأيته |
|
وكبر للرحمن حين رآني |
فقلت له أين الذي عهدتهم |
|
بحينك في خصب وطيب زمان |
فقال حصل واستودعوني بلادهم |
|
ومن ذا الذي يبقى على الحدثان |
له بهذه المعاني المحكية عند رؤيته خاليا من أهله ، حكى ما استفاده من هذه المعاني عنه توسّعا وتفاصحا.
والوجه الآخر : أن يكون وقع من الهدهد كلام منظوم له هذه المعاني المحكية عنه بالهام الله تعالى له ذلك ، على سبيل المعجزة لسليمان عليهالسلام كما جعل من معجزته فهمه لمنطق الطير وأغراضها في أصواتها.
وليس بمنكر أن يقع الكلام الذي فيه بعض الأغراض ممّن ليس بعاقل ولا مكلّف. ألا ترى أنّ الصبي الذي لم يبلغ الحلم ولا دخل في التكليف قد يتكلّم بكلام فيه أغراض مفهومة وكذلك المجنون؟
وليس يجب إذا حكى الله تعالى عن الهدهد ذلك الكلام المرتب المتسق أن يكون الهدهد نطق على هذا الترتيب والتنضيد ، بل يجوز أن يكون نطق بما له ذلك المعنى ، فحكاه الله تعالى بلفظ فصيح بليغ مرتّب مهذّب.
وعلى هذا الوجه يحكي العربي عن الفارسي ، والفارسي عن العربي ، وإن كان الفارسي لا ينطق بالعربية.
وعلى هذا الوجه حكى الله تعالى عن الأمم الماضية من القبط وغيرهم ، وعن موسى عليهالسلام وفرعون ـ ولغتهما لغة القبط ـ ما حكاه من المراجعات