أي فهمت من عبرته وحمحمته التألم والشكوى ، فأين نظير ذلك في الهدهد.
قلنا : مثل هذا قائم في الحكاية عن الهدهد ؛ لأنّ سليمان عليهالسلام لمّا رأى أنّ الهدهد إنّما ورد إليه من مدينة سبأ حكي عنه ما لو كان قائلا لقاله من أحوالها وصفة ملكها ، ومعلوم أنّ الأمر كذلك ؛ لأنّ الهدهد لو كان قائلا لقال ـ وقد عاين ذلك الملك ـ : «إنّني علمت ما لم تعلم وأنّي وجدت امرأة تملكهم ولها عرش عظيم» (١) والعرش هاهنا هو الملك أو الكرسي الذي حكيناه.
وقد جاء في القرآن وأخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لذلك نظائر كثيرة ، فمن ذلك قوله تعالى حكاية عن السماء والأرض : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٢) والمعنى لو كانتا ممّا يقولان لقالتا.
وقوله جلّ اسمه : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٣) أنّها لو كنّ يشفقن ويأبين لأبين ويشفقن.
وقوله : «لو كتبت القرآن في أهاب ثم ألقي في النار لما احترق» (٤) وعلى هذا معناه وتقديره : لو كانت النار لا تحرق شيئا لجلالته وعظيم قدره لكانت لا تحرقه.
ولا يجعل على هذا الوجه سليمان عليهالسلام مستفيدا من الهدهد خبر سبأ ، بل كان سليمان عليهالسلام بذلك عالما قبل حضور الهدهد ، فلمّا حضر الهدهد بعد غيبته وعلم أنّه من تلك البلدة ورد ، أضاف إليه من القول والخبر ما لو كان مخبرا لقاله ، كما قيل في الحوض والجبل.
فإن قيل : ألّا جوزتم أن يكون الله تعالى فعل في الهدهد كلاما هذه صفته ، وكذلك في النملة.
__________________
(١) النمل : ٢٣ والآية كذا : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ).
(٢) سورة فصلت ، الآية : ١١.
(٣) سورة الأحزاب ، الآية : ٧٢.
(٤) النهاية لإبن الأثير ١ / ٨٣.