شيئا من ذلك. والكتابة صنعة كالنساجة والصياغة ، فكما لا يجب أن يعلم ضروب الصناعات ، فكذلك الكتابة.
وقد دللنا على هذه المسألة ، واستقصينا الجواب عن كلّ ما يسأل عنه فيها في مسألة مفردة أمليناها جوابا لسؤال بعض الرؤساء عنه ، وانتهينا إلى أبعد الغايات.
وقلنا : إنّ إيجاب ذلك يؤدّي إلى إيجاب العلم بسائر المعلومات الغائبات والحاضرات ، وأن يكون كلّ واحد من النبي والإمام محيطا بمعلومات الله تعالى كلّها.
وبيّنا أنّ ذلك يؤدّي إلى أن يكون المحدث عالما لنفسه كالقديم تعالى ؛ لأنّ العلم الواحد لا يجوز أن يتعلّق بمعلوم على جهة التفصيل ، وكلّ معلوم مفصّل لا بدّ له من علم مفرد يتعلّق به ، وأنّ المحدث لا يجوز أن يكون عالما لنفسه ، ولا يجوز أن يكون أيضا وجود ما لا نهاية له من المعلوم ، ويبطل قول من ادعى أنّ الإمام محيط بالمعلومات.
فإن قالوا : الفرق بين الصناعات وبين الكتابة ، أنّ الكتابة قد تتعلّق بأحكام الشرع ، وليس كذلك باقي الصناعات.
قلنا : لا صناعة من نساجة أو بناء أو غيرهما إلّا وقد يجوز أن يتعلّق به حكم شرعي كالكتابة.
ألا ترى أن من استأجر بناءا على مخصوص ، وأيضا النساجة قد يجوز أن يختلف ، فيقول الصانع : قد وفيت العمل الذي استؤجرت له ، ويقول المستأجر : ما وفيت بذلك.
فمتى لم يكن الإمام عالما بتلك الصناعات ومنتهيا إلى أبعد الغايات لم يمكنه أن يحكم بين المختلفين.
فإن قيل : يرجع إلى أهل تلك الصناعة فيما اختلفا فيه.
قلنا : في الكتابة مثل ذلك سواء.