وبيّنا في تلك المسألة التي أشرنا إليها ، بأنّ هذا يؤدي إلى أنّ علم الإمام تصديق الشهادة أو كذبه فيما يشهد به ؛ لأنّه إذا جاز أن يحكم بشهادة مع تجويز كونه كاذبا ...
وإلّا جاز أن يحكم بقول ذي الصناعات في قيم المتلفات وأروش الجنايات وكلّ شيء اختلف فيه فيما له تعلّق بالصناعات وإن جاز الخطأ على المقوّمين. وبيّنا أن ارتكاب ذلك يؤدّي إلى كلّ جهالة وضلالة.
فإن قيل : أليس قد روى أصحابكم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في يوم الحديبية لما كتب معينة بين سهيل بن عمرو كتاب مواعدة ، وجرى من سهيل ما جرى من إنكار ذكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنبوّة ، وامتنع أمير المؤمنين عليهالسلام ممّا اقترح سهيل كتب عليهالسلام في الكتاب.
قلنا : هذا قد روي في أخبار الآحاد وليس بمقطوع عليه ، وإنّما أنكرنا القطع ونحن مجوزون ـ كما ذكرنا ـ أن يكون عليهالسلام كان يحسن الكتابة ، كما يجوز أن لا يكون يحسنها.
فإن قيل : أليس الله تعالى يقول : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).
قلنا : إنّ هذا الآية إنّما تدلّ على أنّه عليهالسلام ما يحسن الكتابة قبل النبوّة وإلى هذا يذهب أصحابنا ، فإنّهم يعتمدون أنّه عليهالسلام ما كان يحسنها قبل البعثة ، وأنّه تعلّمها من جبرئيل بعد النبوّة ، وظاهر الآية تقتضي ذلك ؛ لأنّ النفي تعلّق بما قبل النبوّة دون ما بعدها ؛ ولأنّ التعليل أيضا يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوّة ؛ ولأنّ المبطلين والمشككين إنّما يرتابون في نبوّته عليهالسلام لو كان يحسن الكتابة قبل النبوّة وأمّا بعد النبوّة فلا تعلّق له بالريبة والتهمة.
فإن قيل : من أين يعلم أنّه عليهالسلام ما كان يحسن الكتابة قبل النبوّة ، وإذا كان عندكم أنّه قد أحسنها بعد النبوّة ، ولعل هذا العلم كان متقدّما.
فإن قلت : فلم نعلم أنّه عليهالسلام ما كان يحسن الكتابة قبل النبوّة بهذه الآية.