و «روي عنّي» ؛ ومثل ذلك قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (١) ، لأنّهم لمّا أضافوا الشّرّ والكفر إلى ملك سليمان حسن أن يقال : «يتلون عليه» ، ولو كان خيرا لقيل عنه ، ومثله : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢) ؛ وقال الشاعر (٣) :
عرضت نصيحة منّي ليحيى |
|
فقال : غششتني ، والنّصح مرّ |
وما بي أن أكون أعيب يحيى |
|
ويحيى طاهر الأخلاق برّ |
ولكن قد أتاني أنّ يحيي |
|
يقال عليه في بقعاء شرّ (٤) |
فقلت له : تجنّب كلّ شيء |
|
يعاب عليك ، إنّ الحرّ حرّ |
ومثله قول الفرزدق في عنبسة بن سعدان المعروف بعنبسة الفيل ـ وقد كان يتتبّع شعره ويخطّئه ويلحّنه :
لقد كان في معدان والفيل زاجر |
|
لعنبسة الراوي عليّ القصائدا |
فقال : «عليّ» ولم يقل : «عنّي» للمعنى الذي ذكرناه.
وثالث الوجوه : أن يكون (مِنْ فَوْقِهِمْ) تأكيدا للكلام وزيادة في البيان ، كما قال تعالى : (تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٥) ، والقلب لا يكون إلّا في الصدر ؛ ونظائر ذلك في الكتاب وكلام العرب كثيرة (٦).
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٠٢.
(٢) سورة يونس ، الآية : ٦٨.
(٣) الأبيات في الكامل : ١ / ١٨٥ ـ بشرح المرصفي.
(٤) حواشي بعض النسخ : بقعاء في البيت : اسم امرأة. وبقعاء : ماء بالبادية ، قالت امرأة من العرب :
ومن يهد لي من ماء بقعاء شربة |
|
فإنّ له من ماء لينة أربعا |
لقد زادني حبّا لبقعاء أنّني |
|
رأيت مطايانا بلينة ظلّعا |
فمن مبلغ أختيّ بالرّمل أنّني |
|
بكيت فلم أترك بعينيّ مدمعا! |
بقعاء ماؤها زعاق ، وماء لينة عذب ، وإنّما تشكو لينة ؛ لأنّ زوجها حملها إليها وهو عنين ، فذلك قولها :
رأيت مطايانا بلينة ظلّعا
ومثله :
تظللّ المطايا حائدات عن الهدى |
|
إذا ما المطايا لم تجد من يقيمها |
(٥) سورة الحجّ ، الآية : ٤٦.
(٦) الأمالي ، ١ : ٣٤٠.