فقال له : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) تبرّؤا ممّا ذكرناه وتنزّها ، وأخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعد طلاقه لها لينتهي إلى امر الله تعالى فيها. ويشهد بصحة هذا التأويل قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (١) فدلّ على أن العلّة في أمره في نكاحها ما ذكرناه من نسخ السنّة المتقدّمة.
فإن قيل : العتاب باق على كلّ حال ؛ لأنّه قد كان ينبغي أن يظهر ما أظمره ويخشى الله ولا يخشى الناس.
قلنا : أكثر ما في الآية إذا سلّمنا نهاية الاقتراح فيها أن يكون صلىاللهعليهوآلهوسلم فعل ما غيره أولى منه ، وليس يكون صلىاللهعليهوآلهوسلم بترك الأولى عاصيا.
وليس يمتنع على هذا الوجه أن يكون صبره على قذف المنافقين وإهوانه صلىاللهعليهوآلهوسلم بقولهم أفضل [له] وأكثر ثوابا ، فيكون إبداء ما في نفسه أولى من إخفائه ، على أنّه ليس في ظاهر الآية ما يقتضي العتاب ، ولا ترك الأولى.
وأمّا إخباره بأنّه اخفى ما الله مبديه ، فلا شيء فيه من الشبهة ، وإنّما هو خبر محض.
وأما قوله (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ففيه أدنى شبهة ، وإن كان الظاهر لا يقتضي عند التحقيق ترك الأفضل ؛ لأنّه أخبر أنّه يخشى الناس وأنّ الله أحقّ بالخشية ، ولم يخبر أنّك لم تفعل الأحقّ وعدلت إلى الادون ، ولو كان في الظاهر بعض الشبهة لوجب أن نتركه ونعدل عنه للقاطع من الأدلّة.
وقد قيل : إنّ زيد بن حارثة لمّا خاصم زوجته زينب بنت جحش ـ وهي ابنة عمّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأشرف على طلاقها أضمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه إن طلقّها زيد تزوّجها من حيث كانت ابنة عمّته ، وكان يحبّ ضمّها إلى نفسه كما يحبّ أحدنا ضمّ قراباته إليه ، حتّى لا ينالهم بؤس ولا ضرر ، فأخبر الله تعالى رسول
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٧.