وأمّا حمل ذلك على من ظلم ثمّ تاب فهو غير صحيح ؛ لأنّ من تاب لا يوصف بعد التوبة بأنّه ظالم لنفسه ؛ لأنّ التوبة تمنع من إجراء ألفاظ الذمّ.
ووجدت بعضهم يتأوّل هذه الآية على أنّ المراد ب (ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) من جهد نفسه في العبادة وحمل عليها ؛ وقال : هذا يليق بأوصاف الأنبياء عليهمالسلام ، ولا تمنع النبوّة منه.
وهذا أيضا غير صحيح ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ لفظة «ظالم لّنفسه» يذمّ بها في التعارف ، فكيف تجري على المدح! ومن هذا الذي يسمّى من جهد نفسه في العبادة بأنّه ظالم لنفسه بالإطلاق!.
على أنّ السابق إلى الخيرات هو المجتهد في العبادة ، الحامل على نفسه فيها ، فأيّ معنى للتكرار؟ وهذا تأويل يفسد القسمة ، وهذه الجملة توضّح أنّ التأويل الصحيح ما قدّمناه.
فأمّا قوله تعالى : (الْكِتابَ) فالظاهر أنّه كناية عن القرآن المنزّل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد صارت هذه اللفظة بالإطلاق عبارة عنه ؛ ولهذا إذا أطلق القائل فقال : هذا ينطق به الكتاب ، ومحرّم في الكتاب ، وورد في الكتاب لم يفهم منه إلّا ما ذكرناه.
ومعنى (أَوْرَثْنَا) يعني علمه وفوائده وأحكامه ؛ وليس يليق ذلك بالأنبياء المتقدّمين ؛ فإنّه لا حظّ لهم في علم هذا الكتاب ؛ وإنّما يختصّ بهذه الفائدة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة من ولده عليهمالسلام ؛ لأنّهم المتعبّدون بحفظه وبيانه ، والعمل بأحكامه.
وذلك كلّه واضح بحمد الله ومنّه (١).
[الثاني : استدلّ القاضي بهذه الآية وبقولهم : «ما ورثت الأبناء من الآباء شيئا أفضل من أدب حسن» وقولهم : «العلماء ورثة الأنبياء» على بطلان قولنا : «ان إطلاق الميراث لا يكون إلّا في الأموال».
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ٣٠٣ ، راجع أيضا الرسائل ، ٣ : ١٠٢.