وقد نصّ صاحب كتاب العين وصاحب الجمهرة في كتابيهما على ما يشهد بما ذكرناه في معنى هذه اللفظة.
وقال الله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (١) و (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) (٢) و (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (٣) وهذه الجملة تمنع من إجراء لفظ «الخلق» على القرآن ، لئلا يوهم أنّه كذب ، أو مضاف إلى غير قائله.
وممّا يوضح عن صحّة ما قلناه ، إنّه لا يمكن أحد أن يحكي عن ناطق باللغة العربية في شعر أو نثر أنّه استعمل لفظة «مخلوق» في الكلام ، إلّا على معنى الكذب أو الإضافة إلى غير قائله ، وقد روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا أنكر الخوارج التحكيم ، أنّه قال لهم :
«أمّا والله ما حكّمت مخلوقا ، ولكنّني حكّمت كتاب الله تعالى» (٤).
وقد علمنا أنّه عليهالسلام لم يثبت الحدث ، ولا أنّ فاعله فعله مقدرا ، لكنّه منع من إطلاق هذه اللفظة عليه للمعنى الذي ذكرناه.
وقد روي عن جماعة من الأئمّة من آل الرسول عليهمالسلام في هذا المعنى ما يشهد بما ذكرناه ، ويمنع من إطلاق هذه الجملة في القرآن.
وهذه الأخبار وإن أمكن أن يقال في كلّ خبر منها بعينه أنّه خبر واحد ، فلجملتها قوّة وتأثير ممّا يقتضي قوّة الظنّ ، وإن لم يفض إلى العلم واليقين ؛ لجواز أن نعتمده في هذا الموضع ، مضافا إلى ما ذكرناه من العرف في استعمال هذه اللفظة (٥).
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية : ١٧.
(٢) سورة ص ، الآية : ٧.
(٣) سورة الشعراء ، الآية : ١٣٧.
(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٧ / ١٣.
(٥) الملخص ، ٢ : ٤٤٤ وراجع أيضا الرسائل ، ١ : ١٥٢ و ٣٠١.