للتعقيب ، وهذا يقتضي حدوث القول بحدوث ما يتعقّبه ؛ ولأنّ القديم يجب أن يكون سابقا للحوادث بما يتقدّر بقدر ما لا يتناهى عن الأوقات.
وممّا قيل لهم على هذه الشبهة : إنّ الذّاوات المحدثات لو كانت موجبة عن لفظة «كن» ، لوجب قدم جميع الحوادث ؛ لأنّ الموجب إذا صحّ اجتماعه من الموجب ، وجد معه ولم يتراخى عنه ، وإنّما تراخي العلم عن النظر لاستحالة وجوده معه ، وكذلك ما يولّده الاعتماد إنّما يتراخى عنه ؛ لأنّ من شرط أن يولّده في جهته وجهة ما يلي المحاذاة التي هو فيها ، فلا يجوز على هذا أن يولّد الكون لمحلّه في مكانه ؛ لأنّه يقتضي أن يكون ولّد لا في جهته ، ولا يجوز أن يولّد الكون له في المكان الثاني في حال وجوده ؛ لأنّه يقتضي كون الجسم في المكانين في وقت واحد.
وهذا كلّه مرتفع في إيجاب «كن» للمحدثات ، لجواز اجتماعهما مع ما يوجبه ، ألزموهم حاجة القديم تعالى في الإيجاد إلى هذه اللفظة ، وأن نكون نحن أيضا فيما نوجده نحتاج إليها ؛ لأنّ ما يحتاج هو تعالى إليه نحن بالحاجة إليه أولى ؛ لأنّه تعالى قد يستغني من أشياء كثيرة نحتاج إليها نحن في الأفعال (١). وإذا صحّت الجملة التي قدّمناها ، فقد كان القياس يقتضي ـ لو لا ضرب من التعارف وسببيّته ـ أن يسمّى القرآن ، وكلّ كلام وقع مقدرا مقصودا به إلى وجه من وجوه الحكمة ، بأنّه مخلوق ، ولكنّهم تعارفوا لفظة «الخلق» و «الاختلاق (٢)» في الكلام إذا كان كذبا مضافا إلى غير قائله ، ولهذا يقولون فيمن كذب أنّه «خلق ، وإختلق ، وخرق وإخترع وافتعل ، كلّ ذلك بمعنى ذلك واحد ، وفي التنزيل : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) ، ويقولون في القصيدة : إنّها مخلوقة متى أضيفت إلى غير قائلها ، لأنّ إضافتها إلى غير قائلها كذب ، وإن كانت هي في نفسها تتضمّن الصدق ؛ لأنّهم راعوا في هذه اللفظة ـ إذا استعملوها في الكلام ـ معنى الكذب.
__________________
(١) الملخص ، ٢ : ٤٣٨.
(٢) في الأصل : الاختلاف.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٠٠.