والفتنة في قوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) هي الاختبار والامتحان لا وجه لها إلّا ذلك في هذا الموضع ، كما قال تعالى : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ، فأما الاستغفار والسجود فلم يكونا لذنب كان في الحال ، ولا فيما سلف على ما ظنّه بعض من تكلّم في هذا الباب ، بل على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع له والتذلّل والعبادة والسجود ، وقد يفعله الناس كثيرا عند النعم الّتي تتجدّد عليهم وتنزل وتؤول وتردّ إليهم شكرا لمواليها ، وكذلك قد يسبّحون ويستغفرون الله تعالى تعظيما وشكرا وعبادة.
وأمّا قوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) فالإنابة هي الرجوع ؛. ولمّا كان داود عليهالسلام بما فعله راجعا إلى الله تعالى ومنقطعا إليه ، قيل فيه : إنّه أناب ، كما يقال في التائب الراجع إلى التوبة والندم : إنّه منيب.
فأمّا قوله تعالى : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) فمعناه انّا قبلنا منه وكتبنا له الثواب عليه ؛ فأخرج الجزاء على وجه المجازات به ، كما قال تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) وقال جلّ وعزّ : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فأخرج الجزاء على لفظ المجازى عليه.
قال الشاعر :
ألا لا يجهلنّ أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
ولمّا كان المقصود في الاستغفار والتوبة إنّما هو القبول ، قيل في جوابه : «فغفرنا لك» اي : فعلنا المقصود به ، كذلك لمّا كان الاستغفار على طريق الخضوع والعبادة المقصود به القربة والثواب ، قيل في جوابه : «غفرنا» مكان قبلنا ؛ على أنّ من ذهب إلى أنّ داود عليهالسلام فعل صغيرة ، فلا بدّ من أن يحمل قوله تعالى : «غفرنا» على غير إسقاط العقاب ؛ لأنّ العقاب قد سقط بما هناك من الثواب الكثير من غير استغفار ولا توبة ، ومن جوّز على داود عليهالسلام الصغيرة ، يقول : إنّ استغفاره عليهالسلام كان لأحد أمور :
أحدها : أنّ أوريا بن حنان لمّا أخرجه في بعض ثغوره قتل ، وكان