ووافقنا في ذلك أصحاب الحديث والمرجئة وخالفنا المعتزلة ، ووافقهم من الزيديّة والخوارج.
والّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه : أنا قد بيّنا حسن العفو وإسقاط العقاب من جهة العقل ، وأنه يسقط بإسقاط من إليه استيفاؤه ، وإذا كنا قد اعتبرنا السمع وتصفحناه فلم نجد فيه ما يقتضي القطع على وقوع العقاب بمن جمع بين إيمان وفسق ، وجب أن يكون من التجويز على ما كنّا في العقل.
وليس لأحد أن يلزم على هذا الشكّ في عقاب الكفّار ، وذلك أن الإجماع حاصل على عقابهم ، ومعلوم من دينه صلىاللهعليهوآلهوسلم معاقبون لا محالة.
دليل آخر :
يدلّ ممّا ذكرناه أنه لا خلاف بين الأمّة في أن للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم شفاعة مقبولة وهذه الجملة لا خلاف فيها ، وإنّما الخلاف في كيفيّة هذه الشفاعة ، وقد دلّ الدليل على أن الشفاعة لا تكون إلّا في إسقاط العقاب المستحقّ ، وأن سقوط العقاب عند الشفاعة تفضل لا واجب.
وفي ثبوت ذلك دلالة على تجويز العفو عن عصاة أهل الإيمان ، بل يدلّ على وقوع العفو عن جماعة غير معيّنة من عصاة أهل الإيمان ، من حيث شفاعة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واقعة لا محالة ومؤثّرة قطعا.
إن قيل : دلّوا على أن الشفاعة منه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هي في إسقاط العقاب دون زيادة المنافع.
قلنا : لا تخلو الشفاعة من أن تكون حقيقة في إسقاط الضرر دون غيره أو في زيادة المنافع دون غيرها ، أو في الأمرين. والقسم الأوّل هو الصحيح ، والثاني يقتضي أن من سئل في إسقاط ضرر عن غيره لا يسمّى شافعا ، ولا خلاف في تسميته بذلك ، ويفسد القسم الثالث أنه يوجب أن نكون شافعين في النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا سألنا الله تعالى الزيادة في درجاته وكراماته ، ومعلوم أن أحدا لا يطلق ذلك لفظا ولا معنى.