وإنّما يعلم بالسمع ، وقد اجتمعت الأمّة على أن عقاب الكفر الّذي يوافى به دائم ، فقطعنا عليه ، وما لا يوافى به الإجماع على دوامه ولا انقطاعه ، وإنّما يرجع في ذلك إلى الدليل ، ولو كان عقاب الكفر الّذي لا يوافى به دائما لكان قد اجتمع للمكلّف الواحد استحقاق الثواب والعقاب على سبيل الدوام ، وقد بيّنا فساد ذلك.
وإنّما رجّحنا القول بأن المؤمن لا يفكر على القول بجواز كفره من غير أن يوافى به ، من أجل أن الكفر يستحقّ به الاستحقاق والذمّ واللعن ، فلو جامع الإيمان مع بطلان التحابط لوجب أن يكون المرتدّون يستحقّون منّا المدح والتعظيم على ما تقدّم من إيمانهم ، وان استحقّوا الاستخفاف واللعن على كفرهم ، واجتمعت الأمّة على أن كلّ مظهر لكفر وردّة فإنّه لا يستحقّ شيئا من التعظيم والثواب ، وذلك معلوم من دينه صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرورة.
فإذا قيل لنا : فقد نرى كثيرا ممّن كان مؤمنا يكفر ، وربّما بقي من الكفر إلى حال موته ، وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) (١).
قلنا : ليس كلّ من أظهر الإيمان يكون مؤمنا على الحقيقة ، وإذا وجدنا مظهرا للكفر بعد إظهار الإيمان قطعنا على أن ما أظهر من الإيمان لم يكن في الباطن وعند الله تعالى عليه.
فأمّا المراد بالآية فإنّما سمّى من أظهر الإيمان مؤمنا على العرف ، كما قال الله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) (٢) ، وكما قال الله عزوجل (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (٣) ، ولا شبهة في أنه تعالى أراد إظهار الإيمان (٤).
[الثاني : استدلّ بهذه الآية على أن الرتبة غير معتبرة في الأمر قالوا : لأن الطاعة تعتبر فيها الرتبة كالأمر] (٥).
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ٩٠.
(٢) سورة الممتحنة ، الآية : ١٠.
(٣) سورة النساء ، الآية : ٩٢.
(٤) الذخيرة : ٥٠٤.
(٥) الذريعة ، ١ : ٣٦.