وقد عوجل عاقر ناقة صالح مع أنّ قدرها وقدر كلّ حيوان غير مكلّف لا يوازن عند الله قدر أقلّ المؤمنين ثوابا.
فأيّ جواب أجاب به جميع المسلمين عمّا نال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونال أقاربه وأصحابه ولم يعاجل من نال منه ومنهم؟ فهو جواب الشيعة عن سؤال من يسألهم عن أئمتهم وقرّة عينهم وما نالهم من القتل والظلم.
فإن قال : فما الجواب لمن يسأل عمّا نال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقاربه وأصحابه وما نال خلفاءه من بعده وعترته وهي المعاجلة بالعقاب؟
قيل له : الجواب عن ذلك أنّ الله تعالى خصّ نبيّنا بأمور شرفه بها وكرّمه على سائر من تقدّم من الأنبياء والرسل ، من جملتها أمان أمته إلى قيام الساعة من المعاجلة بالهلاك والعقاب ، وهذا معلوم من دعوته كما نعلم إكرامه بالشفاعة والحوض والمقام المحمود واللواء ، وأنّه أوّل من ينشق عنه الأرض ، وتأييد شرعه ورفع النبوّة بعده.
وبمثل هذا أجيب ابن الراوندي وغيره من الملحدة «خذلهم الله» لمّا سألوا عن قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (١) فالأيات هاهنا الاعلام والمعجزات.
قالوا : وهذا القول ينبىء عن المناقضة أو السهو ؛ لأنّ تكذيب من تقدّم لا يمنع من قيام الحجّة علينا والإزاحة لعلمنا ، فكيف يعلّل بالمنع لنا بما يخش (٢) وتكلّفتا بأنّ غيرنا كذّب ولم يصدّق وخالف ولم يجب ، وهذا بعيد من القول.
على أنّه قد ادّعى ظهور الاعلام عليه وفعل المعجزات على يده ، كالقرآن وغيره من مجيء الشجرة ، وتسبيح الحصى ، وحنين الجذع ، وإطعام الخلق الكثير حتّى شبعوا ، وسقيهم حتى ارتووا من القليل من الطعام واليسير من الشراب ، فلو لم يمنع تكذيب الأوّلين إظهار ما ادعاه من الاعلام والمعجزات.
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٥٩.
(٢) كذا في النسخة.