قيل لهم : الاعلام التي تظهر على أيدي الأنبياء والرسل ينقسم إلى ما يظهرها الله تعالى للدلالة على صدقهم حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة وتوجبه إزاحة العلة كسائر الأدلة التي نصبها والتمكين من النظر فيها ، فالمخالف لها [معادل] (١) عن التكليف ، [و] إلى ما تقترحه الأمم عمّن بعث إليهم بعد اظهار ما تقتضيه الحكمة وتوجبه المصلحة من إزاحة العلة ، فحكم الله تعالى في التكذيب بها بعد إظهارها والعدول عن تصديقها المعاجلة ببعض ما يستحقّ عن العقاب.
فكان تقدير الكلام : وما منعنا أن نرسل بالأيات المقترحة إلّا أن كذّب بها الأوّلون بتعجيل بعض ما يستحقّونه من العقاب.
وقد وعدنا رسولنا وشرفنا بأمور :
منها أن [لا] تستأصل أمّته ولا تعاجلها بالعقاب ، وقد ذكر الله تعالى ما اقترح على رسوله ، فقال : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢)) إلى قوله : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (٢).
فإن قال : قدّمتم الجواب لمن وافقكم في الإقرار بالصانع والتصديق للنبوّة ، فما الجواب للملحدة والبراهمة؟
قيل له : الجواب لهم أنّ التمكين يعتبر فيه قصد الممكّن وغرضه دون ما يصلح له ما مكّنه به من الأفعال ، يبين ذلك أنّه لو لم يعتبر فيه ما ذكرنا لم نجد في العالم ممكّنا من قتل عدوّه دون نفسه ووليه ؛ لأنّه لا شيء يتمكّن به من سلاح وجند وسائرها يقوى به إلّا هو يصلح لقتله وقتل وليه ، كما يصلح لقتل عدوّه.
__________________
(١) هذا هو الصحيح وفي المطبوعة «والمعادل».
(٢) سورة الإسراء ، الآيات : ٩٠ ـ ٩٣.