وكذلك الحال فيما تمكّن به من طاعته وامتثال أوامره من الاموال والالات ، في أنّه لا يصلح لمعصيته وارتكاب ما نهى عنه ، كما يصلح لطاعته وامتثال أمره.
وفي علمنا بأنّ الممكّن منّا قد يكون ممكّنا من عدوّه دون نفسه ووليّه من طاعته دون معصيته ، وأنّ الجاحد لذلك متجاهل دافع لما يعلم بالاضطرار دلالة على وجوب اعتبار قصد الممكّن وغرضه ، دون ما يصلح له ما مكّن به.
وإذا ثبت هذا وجب اعتبار حال الممكّن ، فإن كان قصد بما مكّن الحسن دون القبيح. قيل له : مكّن من الحسن دون القبيح ، وإن كان ما مكّن به يصلح القبيح ـ وكذلك إن كان قصده بما مكّن وغرضه القبيح دون الحسن ـ قيل له : إنّه مكّن من القبيح دون الحسن ، وإن كان ما مكّن به يصلح للحسن.
ومتى لم يعتبر هذا الاعتبار ، خرج في المعنى من الإطلاق في اللغة والعرف والمعقول ، ولزم أن لا يكون في العالم من يطلق عليه التمكين من الحسن دون القبيح ، والطاعة دون المعصية ، والنصرة دون الخذلان ، وفي هذا ما قدّمناه من التجاهل.
وإذا وجب اعتبار القصد والغرض في التمكين ، وجب الرجوع إلى حال الممكّن ، دون الرجوع إلى حال ما تمكّن به ، فإن علم من قصده وغرضه وإن لم يعلم ضرورة استدلّ بحال الممكّن وبما يتبع ما مكّن به من أمر ونهي وترغيب ودعاء وحثّ ووعد ، إلى غير ذلك ممّا ينبىء عن قصده ويوضح عن غرضه ، ويتبع الإطلاق والوصف له.
وقد ثبت أنّ الله تعالى لا قصد له إلى القبيح ، فلا غرض له فيه ؛ لأنّه عالم بقبحه ونفيناه عنه ، ولمقارنة الأمر والترغيب والدعاء والحثّ والزجر والوعد بالثواب للواجبات والمحسنات ، ولمقارنة النهي والتخويف والزجر والوعيد للمقبحات ، علم أنّه مكّن من الطاعات دون المعصية ، وجب إطلاق ذلك دون غيره.