فإن قيل : فهلّا مكّن تعالى بما يصلح للطاعة دون المعصية والإيمان دون الكفر والحسن دون القبح.
قيل له : هذا خلف من القول وتناقض في المعنى ؛ لأنّ ما مكن به يصلح لجميع ذلك لنفسه وعيد (١) ولأنّه لو اختصّ بالشيء دون تركه وخلافه ، لكان الممكّن مطبوعا.
ولو كان مطبوعا لم يصحّ الوصف لفعله بالحسن والقبح والطاعة والمعصية والإيمان والكفر ، كما لا يصحّ ذلك في إحراق النار وبرد الثلج وهدّ الحجر وجريان الماء [و] لبطل التكليف والأمر والنهي والمدح والذمّ والثواب والعقاب ؛ لأنّ جميع هذه الاحكام يثبت مع الايثار والتخيّر ، ويرتفع مع الطبع والخلقة وزوال التخيّر.
فلا بدّ على هذا من تعلّق التمكين بالفعل وتركه وخلافه وضدّه ، ليصحّ الايثار والتخيّر ويطابق ما يقتضيه الحكم من حسن التكليف وتوجّه المدح والثواب إلى المطيع واستحقاقه لهما ، فهو الجواب عن التمكين.
وقد بان به أنّ الله تعالى لم يمكّن من قتل أنبيائه ورسله وخلفائهم والمؤمنين من أممهم ؛ لأنّه جلّ اسمه نهى عن ذلك وزجر عنه وتواعد عليه بأليم العقاب وأمرنا باتّباعهم وطاعتهم [و] الانقياد لهم والذبّ عنهم ، فرغب فيه ودعا إليه ووعد عليه بجزيل الثواب.
فأمّا المنع عنهم والنصرة لهم تسقم (٢) أيضا إلى منع ونصرة يزول معها التكليف والأمر والنهي والترغيب والزجر والثواب والعقاب ، وهو ما أدّى إلى الالجاء وينافي التخيّر والايثار.
فهذا الضرب من المنع والنصرة ، لا يجوز أن يفعله تعالى مع التكليف ، لمنافاته الحكمة ، ومباينته لما تقتضيه المصلحة وحسن التدبير ، وإلى منع ونصرة يلائم التكليف والأمر والنهي والترغيب والزجر والثواب والعقاب ، ويثبت معه
__________________
(١) كذا.
(٢) كذا.