التخيير والايثار ، وهو النصرة بإقامة الأدلّة ونصب البراهين والأمر بنصرتهم والجهاد دونهم والطاعة لهم والذبّ عنهم والمنع بالنهي عن مخالفتهم والموالاة لأعدائهم ، وهذا ممّا قد فعل الله تعالى منه الغاية التي لا يبلغها شيء ولا يدركها طلب.
فإن قال : فقد ظهر من أئمتكم الدعاء على من ظلمهم وغصب حقّهم وجحدهم مقامهم ، ونال منهم بالقتل والأذى ، فلم يستجب الله لهم ولم يسمع دعاءهم ، وفي ذلك وهن لهم وحطّ من قدرهم وتنفير عنهم.
قيل له : ليس الأمر كما ظننت في دعائهم عليهمالسلام لو اجتهدوا في الدعاء والطلب وسألوا الله تعالى هلاك الارض ومن عليها لأجيبوا ، بل كانوا عليهمالسلام عارفين بالدنيا وصغر قدرها بالإضافة إلى ما أعدّ الله لهم في الأخرة ، فلم يكن لها عندهم محلّ ولا بشيء منها في نفوسهم وزن.
وكيف لا يكونوا كذلك؟ مع علمهم بالله جلّ وعلا ، وما أعدّ لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب ، وأنّهم من أشرف أوليائه الذين اجتباهم واصطفاهم ، وجعلهم الواسطة بينه وبين خلقه ، والأمناء عليهم ، والحفّاظ لدينهم ، فهم القدوة ، وإليهم المفزع من سائر البشر ، وأنّ أعداءهم أعداء الله الذين لعنهم وغضب عليهم وأعدّ لهم أعظم العقاب وأشدّ العذاب.
فقلوبهم مملوّة بالمعرفة لخالقهم ، وما يقرّب إليه ويزلف لديه من الطاعة له والخوف من مخالفته ، والقيام بعباداته. ليس سوى ذلك فيها مكان ، ولا لغير ما يثمر الفوز والنجاة عليها مجال ، ولذلك وجب الحكم بعصمتهم ونزاهتهم وطهارتهم ، حتى قال تعالى فيهم : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (١).
فإذا ثبت هذا من حالهم ، كان الدعاء منهم يحتمل أمورا :
منها : تعليم أممهم ورعاياهم كيف يدعون ويسألون إذا نابتهم النوائب ونزلت بهم الشدائد ، ولا يقصدون بذلك سوى تعليمهم والبيان لهم.
__________________
(١) سورة الدخان ، الآية : ٣٢.