يملك الشفاعة عند الله تعالى [أحد منهم] في أحد إلّا فيمن شهد بالحقّ ، وأقرّ التوحيد ، وبجميع ما يجب عليه الإقرار به.
والوجه الآخر : أنّ الذين يدعون من دون الله من البشر والأجسام وجميع المعبودات لا يملك الشفاعة عند الله إلّا من شهد بالحقّ منهم يعني عيسى وعزيرا والملائكة عليهمالسلام ؛ لا يملكون الشفاعة عند الله تعالى إلّا إذا كانوا على الحقّ شاهدين به ؛ معترفين بجميعه ؛ فإنّهم يملكون الشفاعة عند الله ؛ وإن كان لا يملكها ما عداهم من المعبودات.
والفرق بين الوجهين أنّ الوجه الأوّل يرجّح الاستثناء فيه إلّا من تتناوله الشفاعة ؛ وفي الوجه الثاني يرجّح الاستثناء إلى الشافع دون المشفوع فيه.
فإن قيل : أيّ الوجهين أرجح؟.
قلنا : الثاني ؛ وإنّما رجّحناه لأنّ المقصد بالكلام أنّ الذين يدعونهم من دون الله تعالى لا يملكون لهم نفعا ؛ كما قال تعالى في مواضع أنّهم لا ينفعونكم ، ولا يضرّونكم ، ولا يرزقونكم ؛ ووضع الكلام على نفي منفعة تصل إليهم من جهتهم ؛ ولا غرض في عموم من يشفعون فيه أو خصوصه.
ولمّا كان فيمن عبدوه من نبيّ أو ملك من يجوز أن يشفع فيمن تحسن الشفاعة له ، وجب استثناؤه حتى لا يتوهّم أنّ حكم جميع من عدّده واحد ؛ في أنّه لا تصحّ منه الشفاعة ؛ وأنّ من كان تصحّ منه الشفاعة إنّما يشفع فيمن تحسن الشفاعة له ممّن لم يكن كافرا ولا جاحدا.
ويترجّح هذا الوجه من جهة أخرى ؛ وهي أنّا لو جعلنا الاستثناء يرجع إلى من يشفع فيه لكان الكلام يقتضي أنّ جميع من يدعون من دون الله يشفع لكلّ من شهد بالحقّ ، والأمر بخلاف ذلك ؛ لأنّه ليس كلّ من عبدوه من دون الله تعالى تصحّ منه الشفاعة ؛ لأنّهم عبدوا الأصنام ، وبعض عبد الكواكب والشفاعة لا تصحّ منها ؛ فلا بدّ من أن تخصّص الكلام ونقدّره هكذا : لا يملك بعض الذين يدعون من دونه الشفاعة إلّا فيمن شهد بالحقّ ؛ فعود الاستثناء إلى الشافعين أولى ؛ حتى يتخصّص.