قلنا : ليس فيما ذكر تضعيف لهذين الجوابين من وجوه :
أحدها : أنّ انفراده صلىاللهعليهوآلهوسلم بالشفاعة للمذنبين حتّى لا يشاركه أحد فيها ليس بمعلوم ولا مقطوع عليه ؛ وإنّما يرجع فيه إلى أقوال قوم غير محصّلين ؛ ألا ترى أنّ عند المسلمين كلّهم إلّا عند المعتزلة ومن وافقهم أنّ للمؤمنين شفاعة بعضهم في بعض! فكيف يدّعي الاختصاص في هذه الرتبة!
وثانيها : أنّ المزية المدّعاة لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم في الشفاعة إنّما هي على الأنبياء المتقدّمين دون الملائكة ؛ لأنّ لا خلاف في أنّ للملائكة شفاعة ، وقد نطق القرآن بذلك فقال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (١). وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فالاستثناء يعود إلى الملائكة عليهمالسلام ؛ لأنّهم من جملة المعبودين ، فلا يمنع نفي الشفاعة عن الكلّ أن يستثنوا لأنّ لهم شفاعة.
وثالثها : أنّ الشفاعة قد تكون إلى الله تعالى وإلى غيره ؛ فإن ثبت ما ادّعي من تفرّد نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم بالشفاعة عند الله تعالى في مذنبي أمّته ، جاز أن تثبت الشفاعة لغيره عند غير الله تعالى ؛ فكأنّه قال : أنتم تعبدون من لا يشفع فيكم في الدنيا ولا ينصركم ؛ واستثني من يجوز عليه أن يشفع في الدنيا.
ورابعها : أن يكون المراد بالشفاعة هاهنا النصرة والمعونة والمنفعة ؛ لأنّ الشفاعة فيمن تتناوله نفع يوصل إليه ؛ وإرادة الشفاعة في الأمّة معنى الشفاعة ، وهو المنفعة والنصرة ؛ وتقدير الكلام : إنّكم تعبدون من لا ينفعكم ولا يضرّكم ولا يعينكم ؛ ولمّا كان في جملة هؤلاء المعبودين من يصحّ أن يضرّ وينفع استثني ؛ ليبيّن أنّ حكمهم مفارق لحكم غيرهم ؛ وهذا بيّن لمن تأمّله (٢).
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٢٨.
(٢) الأمالي ، ٢ : ٣٠٦.