كترك ذلك الظاهر ليسلم هذا ، وأنتم إذا حملتم الأمر على الوجوب هاهنا تركتم تعلق العطاء بوقت الحصاد ، ونحن إذا حملنا الأمر في الآية على الندب يسلم لنا ظاهر تعلّق العطاء بوقت الحصاد ، وليس أحد الأمرين إلّا كصاحبه وأنتم المستدلّون بالآية فخرجت من أن تكون دليلا لكم.
والطريق الآخر : انّا لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد وإن لم يكن مقدّرا بل موكولا إلى اختيار المعطى ، لم تكن بعيدا من الصواب.
فان تعلقوا بقوله تعالى : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (١) فأنّ المراد بالنفقة هاهنا الصدقة بدلالة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (٢) يعني لا يخرجون زكاتها.
فالجواب عن ذلك أنّ اسم النفقة لا يجري على الزكاة إلّا مجازا ، ولا يعقل من إطلاق لفظ الانفاق إلّا ما كان في المباحات وما جرى مجراها ، ثم لو سلمنا ظاهر العموم لجاز تخصيصه ببعض الأدلة التي ذكرناها.
فإن قيل : كيف تدّعون إجماع الإمامية وابن الجنيد يخالف في ذلك ويذهب إلى أنّ الزكاة واجبة في جميع الحبوب التي تخرجها الأرض ، وإن زادت على التسعة الأصناف التي ذكرتموها (٣) ؛ وروى في ذلك أخبارا كثيرة عن أئمتكم عليهمالسلام وذكر أنّ يونس كان يذهب إلى ذلك.
قلنا : لا إعتبار بشذوذ ابن الجنيد ولا يونس وإن كان يوافقه ، والظاهر من مذهب الإمامية ما حكيناه (٤).
وقد تقدّم إجماع الإمامية وتأخر عن ابن الجنيد ويونس ، والأخبار التي تعلّق ابن الجنيد بها الواردة من طريق الشيعة الإمامية (٥) معارضة بأظهر وأكثر وأقوى
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٦٧.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٣٤.
(٣) مختلف الشيعة : ٣ : ١٩٥.
(٤) وسائل الشيعة ، ٦ : ١٢٠ باب ١ من أبواب زكاة الغلّات.
(٥) لا يوجد كتابه لدينا.