والعموم معرض للتخصيص ، ونحن نخصّ هذا العموم ببعض ما تقدّم من أدلّتنا ، على أنّ مخالفينا لا بدّ لهم من ترك هذا الظاهر في عروض التجارة ؛ لأنّهم يضمرون في تناول هذا اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة ، وهذا ترك للظاهر وخروج عنه ، ولا فرق بينهم فيه وبيننا إذا حملنا اللفظة في الآية على الأصناف التي أجمعنا على وجوب الزكاة فيها ، وإذا قمنا في ذلك مقامهم ـ وهم المستدلون بالآية ـ بطل استدلالهم.
وبمثل هذا الكلام نبطل تعلّقهم بقوله تعالى : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١).
ويمكن في هذه الآية أن يقال : إنّها خرجت مخرج المدح لهم بما فعلوه ، لا على سبيل إيجاب الحقّ في أموالهم ؛ لأنّه تعالى قال : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)) (٢) فأخرج الكلام كلّه مخرج المدح لهم بما فعلوه ، وليس في إيجاب الله تعالى في أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم مدحا لهم ولا ما يوجب الثناء عليهم ، فعلم أنّ المعنى ويعطون من أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم ، وما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا بل قد يكون نفلا وتطوعا ، فقد يمدح الفاعل على ما يتطوّع به كما يمدح على فعل ما يجب عليه ، ولا تعلّق لهم بقوله تعالى : (وَآتُوا الزَّكاةَ) ؛ لأنّ اسم الزكاة إسم شرعي ونحن لا نسلّم أنّ في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم ، فعلى من ادّعى ذلك أن يدلّ عليه. ولا تعلّق لهم بما روي عنه عليهالسلام من قوله : حصّنوا أموالكم بالصدقة (٣) ، وأنّ لفظة الأموال يدخل تحتها عروض التجارة ، وذلك أنّه ليس في الظاهر إنّما يحصّن كلّ مال بصدقة منه ، وليس يمتنع أن تحصّن أموال التجارة وما لا يجب فيه الزكاة بالصدقة ممّا يجب فيه الزكاة (٤).
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآية : ١٩.
(٢) سورة الذاريات ، الآيات : ١٧ ـ ١٩.
(٣) عوالي اللئالي ، ١ : ٣٥٣.
(٤) الانتصار : ٧٨ وراجع أيضا الناصريات : ٢٧٥.