خيبر فمنعهم الله تعالى من ذلك وأمر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يقول لهم : لن تتبعونا إلى هذه الغزوة ؛ لأنّ الله تعالى كان حكم من قبل بأن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ، وأنه لا حظّ فيها لمن لم يشهدها ، وهذا هو معنى قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) وقوله : (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) ثم قال تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) (١).
وإنّما أراد أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سيدعوكم فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد ، وقد دعاهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة ، وقتال قوم أولي بأس شديد كمؤتة وحنين وتبوك وغيرها ، فمن أين يجب أن يكون الداعي لهؤلاء غير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع ما ذكرناه من الحروب التي كانت بعد خيبر؟ وقوله : إنّ معنى قوله تعالى : (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) إنّما أراد به ما بيّنه في قوله : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) (٢) وهو الغلط الفاحش من طريق التاريخ والرواية التي وعدنا بالتنبيه عليها ؛ لأنّ هذه الآية في سورة التوبة ، وإنّما نزلت بتبوك سنة تسع وآية الفتح نزلت سنة ستّ ، فكيف يكون قبلها؟ وليس يجب أن يقال في القرآن بالآراء أو بما يحتمل من الوجوه في كلّ موضع دون الرجوع إلى تاريخ نزول الآية والأسباب التي وردت عليها وتعلّقت بها.
وممّا يبيّن لك أن هؤلاء المخلّفين غير أولئك لو لم يرجع في ذلك إلى نقل وتاريخ ، قوله في هؤلاء : (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣) فلم يقطع فيهم على طاعة ولا معصية ، بل ذكر الوعد والوعيد على ما يفعلونه من طاعة أو معصية ، وحكم المذكورين في آية التوبة بخلاف هذا ؛ لأنّه
تعالى قال بعد قوله : (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا
__________________
(١) سورة الفتح ، الآية : ١٦.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٨٣.
(٣) سورة الفتح ، الآية : ١٦.