بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)) (١) واختلاف أحكامهم وصفاتهم يدلّ على اختلافهم لو أن المذكورين في آية سورة الفتح غير المذكورين في آية التوبة.
فأمّا قوله : «لأنّ أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل» ذكرهما فباطل ؛ لأنّ أهل التأويل قد ذكروا أشياء أخر لم يذكرها ؛ لأن ابن المسيّب (٢) روى عن الضحاك في قوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) (٣) الآية قال : هم ثقيف. وروى هيثم عن أبي بشير عن سعيد بن جبير قال : هم هوازن يوم حنين. وروى الواقدي عن معمر عن قتادة قال : هم هوازن وثقيف (٤) فكيف ذكر من قول أهل التأويل ما يوافقه مع اختلاف الرواية عنهم ، على أنا لا نرجع في كلّ ما يحتمله تأويل القرآن إلى أقوال المفسّرين ، فإنهم ربّما تركوا ما يحتمله القول وجها صحيحا ، وكم استخرج جماعة من أهل العدل في متشابه القرآن من الوجوه الصحيحة التي ظاهر التنزيل بها أشبه ، ولها أشدّ احتمالا ما لم يسبق إليه المفسّرون ولا دخل في جملة تفسيرهم وتأويلهم؟
فأما الوجه الآخر : الذي نسلم فيه أن الداعي لهؤلاء المخلّفين هو غير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنبيّن أيضا أنّه لا يمتنع أن يعني بهذا الدّاعي أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لأنّه قد قاتل بعده أهل الجمل وصفين وأهل النهروان ، وبشره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه يقاتلهم ، وقد كانوا أولي بأس شديد بلا شبهة.
فأمّا تعلّق صاحب الكتاب بقوله : (أَوْ يُسْلِمُونَ) وإن الذين حاربهم أمير المؤمنين عليهالسلام كانوا مسلمين ، فأوّل ما فيه أنّهم غير مسلمين عنده وعند أصحابه ؛ لأن الكبائر تخرج من الاسلام عندهم كما تخرج عن الإيمان ، إذ كان
__________________
(١) سورة التوبة ، الآيات : ٨٣ ـ ٨٥.
(٢) هو أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني من المفسّرين في القرن الثاني.
(٣) سورة الفتح ، الآية : ١٦.
(٤) انظر تفسير الطبري ، ٢٦ : ١٠٧ ، ١٠٨.