الإيمان هو الإسلام على مذاهبهم (١) ، ثمّ مذهبنا نحن في محاربي أمير المؤمنين معروف ؛ لأنّهم عندنا كانوا كفارا بحربه بوجوه ونحن نذكر منها هاهنا طرفا ولاستقصائها موضع غيره :
منها : ان من حاربه كان مستحلّا لقتله مظهرا لأنّه في ارتكابه على حق ، ونحن نعلم أن من أظهر استحلال شرب جرعة خمر فهو كافر بالإجماع ، واستحلال دم المؤمن فضلا عن أكابرهم وأفاضلهم أعظم من شرب الخمر واستحلاله ، فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفارا.
ومنها : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له عليهالسلام بلا خلاف بين أهل النقل : «حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي» ونحن نعلم أنه لم يرد إلّا التشبيه بينهما في الأحكام. ومن أحكام محاربي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الكفر بلا خلاف.
ومنها : أنّه عليهالسلام قال بلا خلاف أيضا : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» وقد ثبت عندنا أن العداوة من الله لا تكون إلّا للكفّار الذين يعادونه دون فسّاق أهل الملّة.
فأمّا قوله : «إنّا لا نعلم بقاء هؤلاء المخلّفين إلى أيام أمير المؤمنين عليهالسلام كما علمنا بقاءهم إلى أيام أبي بكر» فليس بشيء ؛ لأنّه إذا لم يكن معلوما ومقطوعا عليه ، فهو مجوّز غير معلوم خلافه والجواز كاف لنا في هذا الموضع ، ولو قيل له : من أين علمت بقاء المخلّفين المذكورين في الآية على سبيل القطع إلى أيّام أبي بكر لكان يفزع إلى أن يقول حكم الآية يقتضي بقاءهم حتّى يتمّ كونهم مدعوين إلى قتال أولي البأس الشديد على وجه يلزمهم فيه الطاعة ، وهذا بعينه يمكن أن يقال له ، ويعتمد في بقائهم إلى أيّام أمير المؤمنين عليهالسلام على ما يوجبه حكم الآية.
فإن قيل : كيف يكون أهل الجمل وصفين كفّارا ولم يسر فيهم أمير المؤمنين عليهالسلام بسيرة الكفار ؛ لأنّه ما سباهم ولا غنم أموالهم ولا اتبع مولّيهم.
__________________
(١) الضمير للمعتزلة والقاضي أحد أقطابهم وهم مجمعون على أن صاحب الكبيرة مخلد في النار ان لم يتداركها بالتوبة.