فإن قيل : كيف يرجع إلى الطلاق مع بعد ما بينهما؟ قلنا : إذا لم يلق إلّا بالطلاق وجب عوده إليه مع بعد وقرب.
فان قيل : أيّ فرق بينكم في حملكم هذا الشرط على الطلاق وهو بعيد منه في اللفظ ، وذلك مجاز وعدول عن الحقيقة ؛ وبيننا إذا حملنا الأمر بالاشهاد هاهنا على الاستحباب ؛ ليعود إلى الرجعة القريبة منه في ترتيب الكلام؟ قلنا : حمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب خروج عن عرف الشرع بلا دليل ، وردّ الشرط إلى ما بعد عنه إذ لم يلق بما قرب ليس بعدول عن حقيقة ولا استعمال توسع وتجوز ، والقرآن والخطاب كلّه مملوّ من ذلك : قال الله جل ثناؤه : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) (١) والتسبيح وهو متأخر في اللفظ ـ لا يليق إلّا بالله جلّ ثناؤه دون رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
[أقول : كذا تقرير الحجّة في «الانتصار» (٢) ؛ لكنّه في جوابات المسائل الموصليات الثالثة قرّره هكذا :]
«إنّ الطلاق لا يقع إلّا بشاهدين عدلين ؛ والحجّة على ذلك إجماع الفرقة المحقّة ؛ ولأنّ الله تعالى قال : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) (٣) فجعل الشهادة شرطا في الفرقة الّتي هي الطلاق لا محالة.
فان قيل : إنّما شرط الشهادة في الرجعة في قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) قلنا : هذا غلط ؛ لأنّ الأمر والشهادة ملاصق لذكر الفرقه ، وإليها أقرب من ذكر الرجعة ، وردّ الكلام إلى الاقرب اولى من ردّه إلى الأبعد ، على أنّه ليس بمتناف أن يرجع إلى الرجعة والفرقة معا ، فيتمّ مرادنا ، على أنّ الأمر بالشهادة يقتضي
__________________
(١) سورة الفتح ، الآيتان : ٨ ، ٩.
(٢) الانتصار : ١٢٧ وراجع أيضا الناصريات : ٣٤٣.
(٣) سورة الطلاق ، الآية : ٢.