الأعمى إذا كان عدلا مقبولة على كلّ حال ، ولا فرق بين أن يكون ما علمه وشهد به كان قبل العمى أو بعده ... دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه ـ زائدا على إجماع الطائفة ـ ظواهر الكتاب التي تلوناها واستدللنا بها على جواز شهادة العبيد وغيرهم ؛ لأنّ الأعمى داخل في هذه الظواهر ولا يمنع عماه من كونها متناولة له ... (١) فاستدلّ المخالف بقوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) (٢).
فالجواب عنه أنّ الآية مجملة لم تتضمّن ذكر ما لا يستوون فيه ، وادّعاه العموم فيما لم يذكر غير صحيح ، وظواهر آيات الشهادة تتناول الأعمى كتناولها للبصير إذا كان عدلا ؛ لأنّ قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٣) يدخل فيه الأعمى كدخول البصير (٤).
[الخامس : ممّا عاب به النظام أمير المؤمنين عليهالسلام من الأحكام الّتي ادعى انه خالف فيها جميع الأمّة ، قبوله شهادة الصبيان بعضهم على بعض ، والله تعالى يقول : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
والجواب :] وأمّا قبول شهادة الصبيان فالاحتياط للدين يقتضيه ، ولم ينفرد أمير المؤمنين عليهالسلام بذلك ، بل قد قال بقوله بعينه أو قريبا منه جماعة من الصحابة والتابعين (٥).
وروي عن عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفان في شهادة الصبي يشهد بعد كبره ، والعبد بعد عتقه ، والنصراني بعد إسلامه أنها جائزة (٦).
وهذا قول جماعة من الفقهاء المتأخّرين كالثوري وأبي حنيفة وأصحابه (٧).
وروى مالك بن انس عن هشام بن عروة ان عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح (٨).
__________________
(١) الانتصار : ٢٤٩.
(٢) سورة فاطر ، الآية : ١٩.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٢.
(٤) الانتصار : ٢٥٠.
(٥) الام ، ٧ : ٤٧.
(٦) كنز العمّال ، ٧ : ٢٠ ح ١٧٧٧٠ و ٢٧ ح ١٧٧٩٦.
(٧) الحاوي الكبير ، ١٧ : ١٦.
(٨) موطأ ، ٢ : ٧٢٦ ح ٩.