دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ، ولا إعتبار بمن شذّ أخيرا عنهم ، وظواهر آيات الشهادة في الكتاب مثل قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) وهو عامّ في العبيد إذا كانوا عدولا وغيرهم ، ولا يلتفت إلى ما يروى ممّا يخالف هذه الظواهر من الطرق الشيعية (١) ، ولا الطرق العامية وإن كثرت ، لأنّها تقتضي الظنّ ولا تنتهي إلى العلم ، وهذه الظواهر التي ذكرناها توجب العلم ولا يرجع عنها بما يقتضي الظنّ ، وهذه الطريقة هي التي يجب الرجوع إليها والتعويل عليها ، وهي مزيلة لكلّ شبه في هذه المسألة ، ولو كنّا ممّن يثبت الأحكام بالاستدلالات لكان لنا أن نقول : إذا كان العبد العدل بلا خلاف تقبل شهادته على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في روايته عنه ، فلأن تقبل شهادته على غيره أولى.
وكان أبو علي بن الجنيد من جملة أصحابنا يمتنع من شهادة العبد وإن كان عدلا ، ولما تكلم على ظواهر الآيات في الكتاب التي تعمّ العبد والحرّ ادّعى تخصيص الآيات بغير دليل ، وزعم أنّ العبد من حيث لم يكن كفوا للحرّ في دمه ، وكان ناقصا عنه في أحكامه لم يدخل تحت الظواهر ، وقال أيضا : أن النساء قد يكنّ أقوى عدالة من الرجال ولم تكن شهادتهن مقبولة في كلّ ما يقبل فيه شهادة الرجال (٢) ، وهذا منه غلط فاحش ؛ لأنّه إذا ادّعى أنّ الظواهر اختصت بمن تتساوى أحكامه في الأحرار كان عليه الدليل ؛ لأنّه ادّعى ما يخالف الظواهر ولا يجوز رجوعه في ذلك إلى أخبار الآحاد التي يروونها ؛ لأنّا قد بيّنا ما في ذلك.
فأمّا النساء فغير داخلات في الظواهر التي ذكرناها مثل قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، ومثل قوله تعالى : (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٣) فإنّما أخرجنا النساء من هذه الظواهر ؛ لأنّهن ما دخلن فيها ، والعبيد العدول داخلون فيها بلا خلاف ويحتاج في إخراجهم إلى دليل (٤).
[الرابع :] وممّا يظنّ إنفراد الإمامية به ولها فيه موافق القول : بأنّ شهادة
__________________
(١) الوسائل ، ١٨ : ٢٥٥ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨.
(٢) مختلف الشيعة : ٨ : ٥١٥.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٢.
(٤) الانتصار : ٣٤٦.