الكثير من مالي ، وأبحته المنيع من حريمي ، وبذلت له العريض من جاهي» ، وليس يريدون أنّني أعطيته شيئا من مالي وادّخرت عنه شيئا آخر منه ، ولا أبحته منيع حريمي ولم أبح ما ليس يمنعها ، ولا بذلت له عريض جاهي ومنعت ما ليس بعريض ، وإنّما المعزي بذلك والقصد : انّني أعطيته مالي ومن صفته أنه كثير ، وبذلت له جاهي ومن صفته أنه عريض.
وله نظائر في القرآن كثيرة ، وفي أشعار العرب ومحاوراتها ، وهو باب معروف لا يذهب على من أنس بمعرفة لحن كلامهم ، ونحن نذكر منه طرفا لأنّ استيعاب الجميع يطول :
فممّا يجري المجرى قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (١) ولم يرد أنّ لها عمدا لا ترونها بل أراد نفي العمد على كلّ حال.
وقال تعالى : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) (٢).
ولم يرد أنّ لأحد برهانا في دعاء الله مع الله تعالى ، بل أراد أنّ من فعل ذلك فقد فعل ما لا برهان عليه.
وقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) (٣) ولم يرد تعالى أنّ فيمن يقتل من الأنبياء من يقتل بحقّ ، بل المعنى ما ذكرناه وبيّناه.
ومثله قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) (٤) ، ولم يرد النهي عن الثمن القليل دون الكثير ، بل نهى تعالى عن أخذ جميع الأثمان عنها والأبدال ، ووصف ما يؤخذ عنها بالقلة.
وقال سويد بن أبي كأهل :
من أناس ليس في أخلاقهم |
|
عاجل الفحش ولا سوء الجزع (٥) |
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية : ٢.
(٢) سورة المؤمنون ، الآية : ١١٧.
(٣) سورة النساء ، الآية : ١٥٥.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٤١.
(٥) من قصيدة في المفضليات ص ١٩١ ـ ٢٠٢.