وليس لأحد أن يدّعي أنّ الظاهر من هذه اللفظة يقتضي التخصيص وأنّها إذا وردت لا تقتضيه كانت مجازا وعمل عليه بدلالة ؛ لأنّ ذلك تحكّم من قائله.
وإذا عكس عليه وقيل له : بل التخصيص هو المجاز وورودها مورد النعت والوصف هو الحقيقة ، لم يجد فصلا.
ووجه آخر : وهو أنّ الجنس إنّما يكون مفضلا على الجنس على أحد وجهين : إمّا بأن يكون كلّ عين من أعيانه أفضل من أعيان الجنس الآخر ، أو بأن يكون الفضل في أعيانه أكثر ، وليس يجوز أن يفضّل الجنس على غيره بأن يكون فيه عين واحدة أفضل من كلّ عين في الجنس الآخر وباقيه خال من فضل ، ويكون الجنس الآخر لكلّ عين منه فضلا وإن لم يبلغ إلى فضل تلك العين التي ذكرناها ، ولهذا لا يجوز أن يفضّل أهل بغداد على أهل الكوفة إن كان في بغداد فاضل واحد أفضل من كلّ واحد من أهل الكوفة وباقي أهل بغداد لا فضل لهم ، حتى كان كثير من أهل الكوفة ذوي فضل وإن لم يبلغوا إلى منزلة الفاضل الذي ذكرناه.
فإذا صحّت هذه المقدمة لم ينكر أنّ جنس بني آدم مفضول ؛ لأنّ الفضل في الملائكة عامّ لجميعهم على مذهب أكثر الناس أو لأكثرهم ، والفضل في بني آدم مخصّص بقليل من كثير.
وعلى هذا لا ينكر أن يكون الأنبياء عليهمالسلام أفضل من الملائكة وإن كان جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم ، للمعنى الذي ذكرناه ، ولمّا تضمّنت الآية ذكر بني آدم على سبيل الجنسية وجب أن يفضّلوا على من عدا الملائكة ، ولو ذكر الأنبياء بذكر يخصّهم ممّن عداهم ممّن ليس بذي فضل لفضلهم على الملائكة (١).
ووجه آخر ممّا يمكن أن يقال في هذه الآية أيضا : إنّ مفهوم الآية إذا تؤمّلت يقتضي أنّه تعالى لم يرد الفضل الذي هو زيادة الثواب ، وإنّما أراد النعم
__________________
(١) الرسائل ، ٢ : ١٦٩ وأيضا ، ١٦٢.