إنّي إليك لما وعدت لناظر |
|
نظر الفقير إلى الغنيّ الموسر (١) |
وقال آخر :
كلّ الخلائق ينظرون سجاله |
|
نظر الحجيج إلى طلوع هلال |
واحتمال لفظة : «النظر» للانتصار أوضح من أن يستشهد عليه وأظهر ، وكلّ ما استشهد بأنّه ممّا عدّي النظر فيه ب «إلى» ولم يرد به الرؤية ، ويسقط تعلّقهم بالتعدية.
فأمّا ضمّهم إلى ذلك ذكر الوجوه ، فأوّل ما نقول لهم فيه :
من أين لكم أنّ «النظر» إذا قرن بالوجه وعدّي ب «إلى» لم يحتمل إلّا الرؤية ، وما الشاهد على ذلك ، فليس هذا ممّا يقبل فيه محض الاقتراح؟ ومتى طلبوا على ذلك شاهدا معروفا عجزوا عنه.
فأمّا استشهاد بعضهم على هذه الدعوى ، بأنّهم يقولون : «أنظر إليّ بوجهك» فخلف من الكلام غير مستعمل ولا معروف ، وإنّما المعروف [قولهم :] «أقبل عليّ بوجهك» و «أنظر إليّ بعينك» من حيث كانت العين آلة في الرؤية.
على أنّ هذا لو كان معروفا لم يكن نظيرا للآية ؛ لأنّ النظر في قولهم : «انظر إليّ بوجهك» لو صحّ ، معلّق بالوجه على حدّ يقتضي كونه آلة فيه ، والوجه ليس يكون كالآلة إلّا في النظر الذي هو الرؤية ، والآية أضيف النظر فيها إلى الوجوه إضافة لا يقتضي كونها آلة ، فجاز أن يحمل على الانتظار ؛ لأنّه لا مانع من ذلك كما منع فيما أوردوه.
وليس لأحد أن يقول : كيف يصحّ أن تكون الوجوه منتظرة ؛ لأنّها كما لا تكون منتظرة كذلك لا تصحّ أن تكون رائية على الحقيقة ، فما لقائل ذلك إلّا مثل ما عليه؟ وهذا هو الذي يدلّ على أنّ المراد بالوجوه غير الجوارح ، وقد استقصينا هذا الكلام في مسألة كنّا أمليناها قديما نقضنا بها كلام بعض من نظر طريقة الأشعري في هذه الآية.
__________________
(١) البيت لجميل بن معمر.